اخر الاخبار

الجمعة , 12 ديسمبر , 2014


دفاعًا عن اللغة العربية

إنَّ ممَّا يُهدِّد لُغتَنا العربية، ويَعِدُها بالاندثار في الذِّكريات: ظهورَ فئة مِن الناس - معظمهم مِن الشباب - بدأت تُدخِل ألفاظًا أعجميَّةً في لُغتنا، حيث يكون أحدُهم مسترسلاً في الحديث، ثم يسوق مِن خلال حديثه عبارةً أو أكثرَ باللُّغة الإنجليزيَّة دونما حاجة لذلك.

هؤلاء هم مَن يصحُّ أن يُطلَق عليهم اسم (المتأجنِبون)؛ أي: أدعياء الأجنبية، وما كانتِ الأجنبية - بلغتها وعاداتها - مصدرًا لفخرٍ، أو دافعًا لشهرةٍ، إنَّما هي وبالٌ كبير، ومَرَض قاتل، إنْ هو أصاب أبناءَ العربيَّة؛ لِمَا يجلبه عليهم من الدَّمار، والفُحْش في العادات، والتقاليد واللُّغة.

وإنَّ بعض المؤيِّدين لهذه الأفعال الشائِنة يقولون بأنَّها مجرَّد ألفاظ لا تُقدِّم ولا تؤخِّر، ولن تتخلَّف الأمَّةُ باستخدامها، ولن تَرْقى بترْكها، بل هي دافعٌ لتعلُّم اللُّغات، وخُطوة متقدِّمة لدمْج الإنسان العربيِّ في المجتمعات الغربيَّة.

وما هذه بدعَوى عِلم، وإنَّما هي رسالةٌ للانحطاط بالأخلاق، ودعوة للتَّخلِّي عن الكثيرِ من القِيَم؛ لأجْل الدخول في بوتقةِ المجتمع الغربي السَّوْداء، وبيْع المبادئ بالاسم المغشوش، الذي يُطبِّلون ويزمِّرون حولَه منذُ آماد بعيدة، وهو "الحرية".

فما أسوءَ أن ينجرف الإنسانُ مع مَن هبَّ ودبَّ، وأن يقلِّد - بشكل تلقائي أو غير تلقائي - تلك النماذجَ السيِّئة، التي تحوَّلتْ إلى صورة من الغرْب في مجتمعاتنا العربيَّة!

وقد قابلتُ الكثيرين من طلاَّب الجامعات الأمريكيَّة في الوطن العربي، وقد طَغَتْ على لُغتهم تلك العادةُ القبيحة، وأصبحوا لا يتكلَّمون إلا ورأيت في كلامِهم عباراتٍ إنجليزيَّة، فهل عجَزتِ اللُّغة العربية عن تنسيق اسمٍ لأيِّ شيء؟! لا واللهِ، بل هو التقليد الأعمى، وتلك الرَّغْبة الجامِحة في التغيير لأيِّ شيءٍ كان.

وها هو حافظ إبراهيم - رحمه الله - يَردُّ عليهم على لسان اللُّغة العربية:

فَكَيْفَ أَضِيقُ الْيَوْمَ عَنْ وَصْفِ آلَةٍ
وَ تَنْسِيقِ أَسْمَاءٍ لِمُخْتَرَعَاتِ
أَنَا البَحْرُ فِي أَحْشَائِهِ الدُّرُّ كَامِنٌ
فَهَلْ سَأَلُوا الغَوَّاصَ عَنْ صَدَفَاتِي

هذه الفِئة الشابَّة التي لا تزال في سِنِّ النُّضوج، أخذَتْ تعوج لسانها عن لُغتها الأمِّ، ويا لها مِن كارثة!

هذا الذي يُدخِل عباراتٍ يسيرةً الآن، في الغد قد تراه لا يملك لنفسِه تذكُّر عباراتِ لغته العربية، فلماذا هذا الانتقاصُ من قَدْر لغتنا العربية، وما أجملها مِن لغة؟!

فإنَّ سُهولتَها وكمالَ معانيها يذهب بالأذهانِ والعقول، ألاَ يكفينا شرفًا أنَّ كتابنا الكريم منزَّل باللُّغة العربية؟!

وفي الواقع: إنَّ مِن واجبنا تُجاهَ لغتنا المحافظةَ عليها، والدفْعَ بعجلتها؛ لتواكبَ التقدُّم التكنولوجي والحضاري من جميع جوانبه، وهذا ليس بالأمر السَّهل، بل إنَّه من أكثرِ الأمور صعوبةً ومشقَّة، فهذا أمرٌ أكبرُ من أن يُحَلَّ بورقة وقلم، بل إنَّه مشروعات تنموية، تنهض باللُّغة العربية، التي ما كانتْ في عصر مِن عصورها نائمةً كما هي الآن.

فتكون البدايةُ بتعريب العلوم والمناهِج الدِّراسيَّة، وإلْغاء جميع الخطط التي تقضي بتحويل المناهِج إلى اللُّغة الإنجليزيَّة، والتي نرى شبَحها قد تبدَّى في الأفق القريب، وإنَّ الجامعاتِ العربيةَ هي الهدف الأول، فلا نرى الآن منها إلاَّ القليل القليل التي تُدرّس مناهجها باللُّغة العربية.

وكلُّ هذه الجامعات العربية التي تُدرّس مناهجها باللغة الإنجليزيَّة تحمل حُجَّةً قويَّة، وهي أنَّ العلوم قد أصبحتْ كلُّها بغير العربيَّة، فأقول لهم: ألَم يكن لنا سَبقُ العلوم كلِّها في يوم من الأيَّام؟! وهل كان في حينها لغاتٌ غير العربيَّة؟ ولكن التعجُّل للحِاق بركْب الحضارة دَفَع بمعظم المفكِّرين نحوَ هذا التفكير، ولا ألومهم، ولكن إن تخلَّيْنا جميعُنا عن واجبنا تُجاهَ لُغتناإلا أن الله تكفل بحفظ القرآن، ولعلَّ وصية اللغة العربية لأبنائها التي نقَلَها حافظ إبراهيم تحرِّك فينا شيئًا من الحَميَّة:

فَإِمَّا حَيَاةٌ تَبْعَثُ الْمَيْتَ فِي البِلَى
وَ تُنْبِتُ فِي تِلْكَ الرُّمُوسِ رُفَاتِي
وَ إِمَّا مَمَاتٌ لاَ قِيَامَةَ بَعْدَهُ
مَمَاتٌ لَعَمْرِي لَمُ يُقَسْ بِمَمَاتِ

ها هي تُطالِب بأدْنى حقٍّ لها علينا، كيف لا يكون هذا أدْنى حقٍّ وهي لسانُنا الذي ننطق به في الدنيا، وسننطق به في القَبْر، وسننطق به في الآخِرة؟!

وإنَّه لمن البَلادة عدمُ الاستجابة لندائها؛ لذلك يجب علينا أن نتحرَّك مسرعين لنجدتها، ولتكنْ ضِمنَ أولويات أولوياتنا، فنسألك اللهمَّ الثباتَ على الحقِّ، والعزيمةَ على الرشد، بفضلك يا أكرمَ الأكرمين.

هذه دعوةٌ لشرائح المجتمع كافةً؛ لدرء هذا الخَطر الذي يَحيق بنا، والذي يُهدِّد لُغتَنا، ولتكنْ رسالة قويَّة لرَفْع معنويات الشباب للعمل لأجْل لُغتهم، كدِراسة الشِّعر لغةً وعاطفةً، فمَن قرأ الشعر بعاطفته ولُغته، تبيَّن له جمالُ العربية، وكمالُ معانيها، ولنسعَ لبِناء جيلٍ جلدٍ قادرٍ على محو الصعوبات، وحماية لُغته وأمَّته ومجتمعه.

بقلم/ أديب قبلان

بقلم: #Magdy__Alfakhrany

القراء 1434

التعليقات


مقالات ذات صلة

حروف ممنوعة _ هشام حسن (( IQ ))

حروف ممنوعة _ هشام حسن (( إعلان حرب ))

دفاعًا عن اللغة العربية

العربية و تقنيات العصر - أ. د. جابر قميحة

تحذير واضح المعني و شديد اللهجة

الرمل المصرى (38) قبل الغروب عوامل السقوط - بقلم أ.د/ محمد أبو زيد الفقى:

الانقلاب المجرم أسبابه و دوافعه و مآله- بقلم/ أبو رقية أحمد سليمان الدبشة

حتى لا تخدعنا مظاهر القوة بقلم أ. / محمد يوسف عدس

الإنقلاب يترنح بين الخداع والتخدير والجهل بالواقع بقلم/ طلعت عبد السلام الخطابى

حلّوها يرحمكم الله - بقلم/ حذيفة زوبع

الحضارة الإسلامية تعمير وتنوير (2) من (4)

قصيدة عندما يعزف الرصاص - عبدالرحمن العشماوي

السلفية المعاصرة: التنكر للعقلانية والتلبس بجرح الهويّة - بقلم/ حسن أبو هنيّة

العقل المستقيل في تونس و ما حولها بقلم دكتور/ عبد الوهاب الأفندى

قراءة في كتاب بؤس الدهرانية / إخليهن ولد محمد الأمين

الحضارة الإسلامية تعمير و تنوير (1) من (4) بقلم الأستاذ الدكتور/ جابر قميحة

الديب لفرانس برس: تعديل قانوني يطلق سراح مبارك



خريطة الموقع


2024 - شبكة صوت الحرية Email Web Master: admin@egyvoice.net