حروف ممنوعة _ هشام حسن (( IQ ))
(( IQ ))
ضغطت ضغطتى الأخيرة فى لوحة المفاتيح و أحتبست أنفاسى تحسبا لظهور النتيجة ، ثوان عشر مرت كأنها دهر قبل أن تظهر النتيجة !
قفزت من مكانى معانقا الدكتور ( ذهنى ) رفيق الدرب . لقد حصلت على 195 درجة فى إختبار الذكاء (IQ) .
سنوات من الجهد و العناء و التبتل فى محراب العلم لم تذهب هباءً فهنيئا لنا و هنيئا لك يا وطن!
قبل سنوات بدأت قصتنا، فقد كنت قد أنهيت دراستى – كطبيب - للدكتوراه و تقدمت برسالتى التى كانت تتركز على فهم أسرار الذكاء و القدرات الذهنية الغير عادية للإنسان .
كنت من هواة التاريخ و لفت نظرى ذلك الذكاء الفطرى العجيب الذى تمتع به أجدادنا القدماء. أذهلتنى حضارتهم و كيف أكتشفوا أسرارا علمية معقدة ظل بعضها سرا مغلقا حتى يومنا هذا
كنت أتساءل دوما ما الذى حل بنا؟ كيف تراجعت قدراتنا حتى أصبح العجز و التخلف و القعود عن أى إبداع سمة أجيالنا الجديدة؟
كيف غبنا عن كل محفل للتقدم سوى من شذرات هنا أو هناك تعد من قبيل الشذوذ الذى يؤكد القاعدة؟
خلُصت فى رسالتى أن السبب الطبى يكمن فى تناقص مركبات كيميائية تصل إلى المخ البشرى متأثرة بالكثير من العوامل سواء غذائية أو حياتية.
تعرضت فى رسالتى لما كان أجدادنا يأكلونه من النباتات الطبيعية التى تمدهم بكل ما يلزم الجسم و العقل ليصبحا أساس التقدم و الإبداع .
أعلن رئيس فريق المناقشة قبول الرسالة و نجاحى بدرجة إمتياز.
كنت أتلقى التهانى من الأهل و الأصدقاء حين تقدم لى شخص يميل إلى البدانة و يضع على طرف أنفه نظارة طبية مستديرة قائلا و هو يشد على يدى
.... مبروك يا دكتور مخلص ، موضوع رائع و رسالة تستحق الإمتياز، أعرفك بنفسى أنا دكتور ذهنى دكتوراه فى الكيمياء العضوية
.... شكرا يا دكتور تشرفت جدا
.... تفضل هذه بطاقتى أرجو أن تتصل بى للإجتماع معا فلدى لك مشروع رائع
وعدته خيرا و أفترقنا
بعد أيام كنا على موعد و زرت بيته الواقع فى حى فخم، إستقبلنى مرحبا و هو يقول
.... أهلا يا دكتور، أنت بالتحديد من كنت أبحث عنه
أخذ يحدثنى عن مشروع مذهل حقا، هو يريد أن يتوصل إلى عقار يرفع درجة الذكاء و ينمى القدرات العقلية إلى حدود مرتفعة جدا و يأمل أن يكون هذا العقار مفتاحا لتقدم الوطن و الخروج به من أنفاق الجهل و التخلف التى تاه خلالها .
أخذ يشرح لى تفاصيل الفكرة و يؤكد أننا سنكمل بعضنا البعض فهو خبير بكيمياء النبات و أنا خبير بكيمياء المخ و من الممكن أن نصل معا إلى الهدف الذى قد يغير وجه التاريخ
راقت لى الفكرة و أخذت الأوراق التى أعدها من قبل و بها التفاصيل لدراستها ، عكفت على الأوراق لدراستها و وجدت الرجل دقيقا واضحا فتحمست للموضوع و هاتفته بموافقتى
لم يكن أمامنا من طريقة خلال السنوات التى تلت ذلك سوى تركيب خلاصات النباتات التى أنفقنا وقتا طويلا فى دراستها و تحليلها ثم تجربتها على أنفسنا ثم إجراء إختبارات الذكاء . كان مستوى ذكائنا يتخطى حاجز المائة و الثلاثين بقليل و هو مستوى متميز و لكنه لا يصل إلى المستويات العبقرية
مررنا بالكثير من الإخفاقات و الإنكسارات و لم نفلح بالتقدم طوال سنوات على كثرة ما حقنا به أنفسنا من خلاصات النباتات
كانت التركيبة الأخيرة قد سرت فى عروقى قبل يومين من إجراء الإختبار الذى أثبت أن معدل ذكائى قد قفز بصورة مذهلة .
حقنت الدكتور ذهنى أيضا فظهرت نتيجة الإختبار تؤكد النجاح الساحق لمشروعنا .
كانت الخطوة التالية هى تسجيل العقار و الذى أطلقنا علية ( المفكار ) كبراءة إختراع مما يمكنا من تصنيعه و تسويقه . كانت فكرتنا تتلخص فى إحتكار المفكار لوطننا و المسارعة بحقن القادة و الوزراء و نوابهم كبداية ، فذكاء القادة سيجعلهم يسارعون بتغيير الأنظمة المتخلفة التى ترتع بين أجنحة وزاراتنا و أجهزتنا و حكوماتنا المتعاقبة .
ستختفى المشاريع الفاشلة و السياسات المضحكة التى جعلتنا أخر الأمم فى ركب العلم و التحضر، بالتأكيد سيراجعون تلك الإجراءات التى تقتضى أن تنفق نصف عمرك بين أروقة الحكومة لتنجز ما ينجزه كل سكان العالم فى دقائق ، ربما مثلا تختفى تلك الطوابع التى لا زلنا نلصقها على كل طلب و نبحث عنها بالساعات ، ربما تختفى تلك الكربونه التى نضعها بين الصفحات ، ربما نكتفى بتوقيع موظف بدلا من تسعة ، ربما نتوصل إلى ذلك التقدم الرهيب الذى يجعلك تجدد رخصة قيادتك بالذهاب إلى مبنى واحد مثلا ، ربما نكف عن وضع العشر اصابع فى الحبر لعمل فيش و تشبيه بعد أن اصبح العالم يستخدم بصمة العيون ، بل ربما نصدر قانونا لا يحتاج إلى تسعين مذكرة تفسيرية تتعارض مع القانون ذاته ، ربما يرفع شخص قضية فيتم الحكم فيها فى مدة أقل من عشر سنوات ، مرحى مرحىى سنقفز قفزات هائلة لنعود إلى صدر الحضارة بلا ريب .
يبدو أن أحلامنا كانت وردية أكثر من اللازم فقد وجدنا أن الإجراءات اللازمة لترخيص دواء أمر يقتضى ضعف عدد السنوات التى أنفق فى إختراعه ، فالقوانين متضاربة و الموافقات تتطلب إمضاءات من أشخاص لا يمكن أن يفقه أحدهم نصف كلمة من أبحاثنا العبقرية و لو أمضى عمره يحاول.
جلسنا نناقش الأمر عندما طرأت لى فكرة فصحت قائلا
.... إسمع يا دكتور ليس أمامنا سوى الإعلام
.... و كيف ذلك
.... إن جارتنا مذيعة تلفزيونية مشهورة تقدم دوما خبطات إخبارية متفردة و هى صديقة لزوجتى ، أعتقد أنها سترحب بإستضافتنا و عرض الفكرة .
بعد أيام كنا أمام الكاميرات على الهواء مباشرة ، شرحنا فكرتنا و أخذت المذيعة تناقشنا فى التفاصيل و أعلنا عن نتائج إختبارات الذكاء التى مررنا بها و طالبنا بتشكيل لجنة متخصصة لفحص العقار بسرعة للإستفادة منه دون المرور بعقبات البيروقراطية القبيحة
أشرق وجه المذيعة فجأة لتقول
.... معنا السيد وزير الصحة على الهواء ، أهلا سيادة الوزير ما تعليقك على ما رأيت .....
..... هذا كلام فارغ ، هذه محاولة لتشويه الوطن ، من المعروف أننا من أذكى شعوب الأرض ، هذه أهانة للذكاء الوطنى !
توالت الإتصالات من نقيب الأطباء ثم من كبار الأطباء و كلها تنعتنا بكل قبيح و أجمع الكل أنه لا حاجة أصلا لهذا الدواء لأن عقليات أبناء الوطن متقدمة بمراحل عن سواهم من البشر
إنتهى البرنامج و خرجنا إلى منزلينا فى حال يرثى لها
خلال أيام كان قد وجه إلينا إنذار من نقاباتنا بالوقف عن العمل و التحويل إلى التحقيق تمهيدا لسحب ترخيص مزاولة المهنة منا
شنت الصحافة حملة شعواء ضدنا و إتهمونا بأننا نروج للأكاذيب و ننعت الحومة و الشعب بالغباء حتى أصبحنا نخاف الناس و نتحاشاهم.
جلسنا نفكر و نقلب الأمر على كل الأوجه
قال (ذهني)
.... هل رأيت أغبى من هؤلاء ؟ لم يفكر شخص واحد بدعوتنا للمناقشة أو لدراسة تأثير العقار ! لقد أكتفى الجميع بالهجوم علينا دون أى منطق
..... هذا من شيم الأغبياء يا صديقى
.... و ماذا نحن فاعلون ؟
..... إسمع إنا لدى فكرة أخرى ، إنتظر إن غدا لناظره قريب
فى اليوم التالى نشرت إعلانات فى جميع الصحف و هاتفت كل البرامج المشغولة بالموضوع مؤكدا أننا كنا على خطأ و أننا نعتذر للجميع
إتصل بى (ذهنى) و أخذ يصرخ
.... ماذا فعلت لقد أضعت عناء العمر فى لحظات
إبتسمت و قلت
..... إصبر قليلا فهناك مفاجأة
بعد أيام كنت أجلس معه و أتصل بوزير الصحة بينما يتابعنى (ذهنى) مذهولا
قلت
..... صباح الخير يا معالى الوزير ، أنا الدكتور مخلص
.... ماذا تريد ؟ لن أتنازل عن التحقيق معك
.... سيدى ليس هذا غرض الإتصال ، الحقيقة إننا لم نحترع (المفكار) فقط ، بل هناك دواء آخر و لكننا لم نعلن عنه فهو للخاصة فقط و معاليكم فى صدارتهم
..... أى دواء
.... (المفحال) معاليكم
.... مفحال !!!!
... نعم يا سيدى (المفحال) له أثر لا يصدق على فحولة الرجال
تغيرت نبرة الوزير تماما و قال بإهتمام
.... و هل تمت تجربته ، أم أنه مثل تلك الحبوب الزرقاء و الحمراء التى يلزم منها العشرات لتسترنا فى ليلة عيد أو ذكرى زواج
.... لا يا سيدى إنها مجربة و قد قمت بتجربتها شخصيا
.... ها ؟ و ماذا حدث
..... لقد تزوجت بثلاث فتيات عرفيا خلال الشهر الماضى فقط و كلهن دون الخامسة و العشرين
.... غير معقول
.... سيدى التجربة خير برهان ، و لولا أن الدواء غير مرخص لطلبت من معاليكم تجربته
.... أي تراخيص و أى كلام فارغ ؟ هذه إجراءات شكلية تستكمل فيما بعد ، أريد أن أجرب هذا الدواء فورا
.... أنا جاهز يا سيدى
.... حسنا مر على غدا فى الخامسة مساء بمكتبى و أحط الأمر بكل السرية
.... أوامركم معاليك
أنهيت المكالمة فصرخ (ذهنى) الذى كانت يتابع ما أقول مذهولا فصاح فى وجهى
.... ما هذه التخاريف ؟ أى (مفحال) هذا الذى تتحدث عنه ؟
.... إسمع يا دكتور ، إنها مجرد حيلة .
.... كيف
.... سأحقن الوزير ب (المفكار) و هذا سيحل مشاكلنا ، سيلمس النتيجة بنفسه و سترتفع نسبة ذكائه فيدعم المشروع و نحقق ما نرجوه للوطن
.... فكرة عجيبة
.... ليس أمامنا من طريق سواها
فى اليوم التالى كنت أصافح الوزير فى مكتبه الخالى و قد أمر سكرتيره بمنع أى أحد من الدخول علينا ، أخرجت الحقنة و ملأتها ب (المفكار) و سرعان ما أعطانى الوزير ظهرة و أنزل بنطاله لتتلقى مؤخرته الترياق حالما بأيام مفحللة قادمة
بعد يومين رن جرس الهاتف ، و كان وزير الصحة الذى قال
.... صباح الفل يا أجمل دكتور فى الدنيا
ها هو ما كنت أنتظره لقد فعل (المفكار) فعله و أيقن الرجل بمفعوله
.... صباح الورد معاليكم
.... مش عارف أشكرك إزاى ، دا إنت مجرم بصحيح
.... ههههههه حنعمل إيه بس يا فندم
.... دى المدام كمان عايز تشكرك و حتقول لكل صاحباتها على (المفحال)
.... المدام ؟!!!!
.... طبعا دى شافت اللى عمرها ما شافته
.... معقول ؟
.... أيوه طبعا ده (المفحال) ده مخلى الواحد زى الصاروخ ، إسمع أنا قلت لكام وزير من أصحابى و أكيد حيتصلوا بيك ، مش حوصيك عليهم أحسن كلهم واخذين (ض . ج)
.... معلش يا فندم بس عايز أفهم هو (المفحال) جاب نيجة يعنى فى المسائل
.... نتيجة ؟ بقولك رفعنى من (ض . ج) لأمتياز مع مرتبة الشرف الأولى هههههههههههههههههه
أغلقت الخط مذهولا
توالت إتصالات من علية القوم و الكل يطالب ب (المفحال !!(
أخذت أحقن الكثيرين منتظرا تغير النتائج دون جدوى ، فقد كان الجميع يتغنى بما حققوه فى مجال الفحولة دون أن تظهر على أى منهم بارقة ذكاء
بعد إسبوع كنت أجتمع مع الدكتور ذهنى الذى قال
.... إننى لا أجد تفسيرا علميا واحدا لما حدث
أطرقت قليلا ثم قلت
.... لن ينجح (المفكار) أبدا
.... لماذا ؟ ألم نختبره بأنفسنا
.... نعم و لكننا كانت لدينا إرادة التقدم و التفوق ، لا يوجد دواء يهب الذكاء و التقدم دون إرادة و عمل ، من لديهم إرادة التقدم و قيادة العالم سيصلون لذلك و حتما و سيجدون الدواء فى طريقهم ، أما من ارتبطت إرادتهم بفحولتهم و لهوهم و لعبهم فسيمكثون دوما فى نهاية السرب ، بل سيضمحلون يوما دون أن يتركوا أثرا فى ركب العلم و الحضارة و سيصبح مصيرهم مصير الدواب
أطرق (ذهنى) و ساد صمت مطبق قبل أن يخلع نظارته و يقول
..... إذا لا فائده ؟
صمت و لم أحر جوابا ، و أخذت أذكر عمرا ..... ضاع فى طلب السراب.!