حروف ممنوعة _ هشام حسن
((الرجل ذو الألف مسبحة))
.....
......
فى تلك الأرض الوادعة التى أقيمت أكواخها على أعشاب السهول الخضراء كان الناس يعيشون حياتهم ككل حياة
كانت لديهم مسراتهم وأتراحهم ولكن الحياة كانت تمضى على كل حال
كان بالبلدة شيخ يدعى الشيخ مستباح يسكن كوخا صغيرا بجوار مسجد البلدة والذى كان موطن دروسه التى يدعو فيها الناس إلى إتباع دين الله ويحذرهم غواية الشيطان وألاعيبه
وكان لتلك البلاد حاكم طيب يسوس الناس بالعدل والإحسان ، خرج يوما فى نفر من حراسه لرحلة صيد ولم يعد من تلك الرحلة سوى كبير الحراس الذى روى للناس ماحدث من هجوم على الموكب من جند أغراب ملثمين قتلوا الجميع ولم ينج سواه بعد أن هرب الخونة أمامة وحذر الناس بأن البلد يتهددها خطر جسيم وأنه قد جمع باقى الجند والحراس وتعاهدوا على حماية البلاد مما يراد بها من الشرور
فزع الناس وتقوض أمنهم المستتب وبايعوا كبير الحراس حاكما ليحمى البلاد والعباد.
بعد أيام جاء رجل بثياب الجند إلى الشيخ مستباح بعد صلاة العصر طالبا منه أن يصاحبه لمقابلة الحاكم
سعد الشيخ مستباح أيما سعادة فطلب الحاكم لمقابلته لأكبر دليل على ماله من إجلال وإحترام ... دخل على الحاكم فسلم عليه وأدناه الحاكم من مجلسه وإنفرد به
قال الحاكم
.... أيها الشيخ الجليل إن الشر يحوم حول البلاد
.... نعوذ بالله من الشرور ، ما هو هذا الشر يا مولاى
.... لقد رأيت حلما البارحة ...كنت أقرأ القرآن بعد أن صليت أربعين ركعة من الليل فغفوت والقرآن على صدرى والمسبحة بيدى ورأيت ذلك الحلم
.... ما شاء الله ... هى رؤيا صادقة بإذن الله
.... رأيت رجلا مغطى بالبياض ويحمل مصحفا بكل يد وتحيط عنقه ألف مسبحة من الزمرد والياقوت والمرجان
... الله ... الله ...
... قال الرجل ذو الألف المسبحة ... ايها الحاكم العادل الرشيد إن شيطانا رجيما يدعى منكاريس يسكن قمة جبل آزوت وهو من يحرض الناس على البعد عن الدين ويزين لهم الفواحش والآثام وهو سر شقاء البلاد ومنشأ كل الشرور
.... رحماك ربى
.... وقال لى أنه لن يستطيع أن يقضى على هذا الشيطان سوى الشيخ مستباح نفسه فهو الوحيد القادر على قتله بما له من قوة إيمان وعزيمة وأنك ايها الحاكم المؤمن لمأمور من الله بأن تعينه على هذه المهمة
.... ولكن كيف أصل لقمة جبل آزوت الشاهقة الوعرة
.... سأصدر أمرى بأن ينحت لك سلم فى الصخور وهذا عمل سيقتضى سنوات وأموالا مهولة ولكننا مأمورون بحرب ذلك الشيطان
.... بارك الله لك يا مولاى
.... أريدك أن تخبر الناس بما حدث وأن تجعلهم يستعدون لبذل الغالى والرخيص لنقضى على ذلك الشيطان الأثيم
.... أفعل إن شاء الله
.... حسنا فليكن إجتماعنا كل خميس لنرتب ما ستحتاجه تلك المعركة الضروس
.... الأمر ما قلت يا مولاى
فى الجمعة التالية – وبعد ليلة خميس- وقف الشيخ على المنبرصائحا
.... يا عباد الله الصالحين ضعوا زكواتكم بيد الحاكم الصالح لنبنى السلم ونقضى على الشيطان ، ومن لم يفعل فقد باء من الله بغضب
تجمعت أموال الزكاة بيد الحاكم وبنيت خمس درجات من ذلك السلم
فى الجمعة التالية – وبعد ليلة خميس- وقف الشيخ على المنبرصائحا
.... يا عباد الله الصالحين ضعوا ذهب نساءكم بيد الحاكم الصالح لنبنى السلم ونقضى على الشيطان ، ومن لم يفعل فقد باء من الله بغضب
تجمع ذهب النساء بيد الحاكم وبنيت سبع درجات من ذلك السلم
فى الجمعة التالية – وبعد ليلة خميس- وقف الشيخ على المنبرصائحا
.... يا أيها الناس إن الخمر حرام حرام حرام إذا كانت من العنب ، أما إذا كانت من غير ذلك مثل تمر أو شعير فيجوز شربها ما لم تسكر ، والحاكم رعاه الله سيأمر بفتح بارات تبيع هذه الأنواع التى لا حرمة فيها ليأتى إلينا سكان البلدات المجاورة وينفقوا لدينا أمولا فنبنى السلم ونقضى على الشيطان
هبت جمهرة من شباب تقى ورع يعرف صحيح الدين فأنكروا على الشيخ مقالته فصرخ
.... لا لغو فى المساجد .... أرايتم هؤلاء الذين يريدون شق الصف وإثارة البلبة ويخالفون قول الله بالإعتصام بحبلة هم خوارج الزمان
قام نفر من المصلين فشتم الشباب الورع الذى لم يتأدب مع الشيخ ودخل نفر من جند فأخذوا الشباب الورع ولم يرهم بعد ذلك أحد
تجمعت أموال الخمر بيد الحاكم وبنيت تسع درجات من ذلك السلم
فى الجمعة التالية – وبعد ليلة خميس- وقف الشيخ على المنبرصائحا
.... يا أيها الناس إن الزنا حرام حرام حرام ولكن زواج المتعة به أقوال وهو يجوز لدفع ضر وجلب منفعة والحاكم رعاه الله سيأمر بفتح بيوت لمن أراد من سكان البلدات المجاورة أن يتمتع بنساءكم ، وسيكون بكل بيت ماذون مرخص يكتب العقد ويقبض المهر فنصفه لولى المرأة هنيئا مريئا ونصفه للحاكم لنبنى السلم ونقضى على الشيطان
هب نفر من أهل النخوة والمرؤة وأنكروا على الشيخ فصرخ
.... لا لغو فى المساجد أرايتم هؤلاء الذين يريدون شق الصف وإثارة البلبة ويخالفون قول الله بالإعتصام بحبلة هم خوارج الزمان
قام نفر من المصلين فشتم ذوى النخوة والمرؤة ودخل نفر من جند فأخذوهم ولم يرهم بعد ذلك أحد
تجمعت أموال الزنا بيد الحاكم وبنيت عشر درجات من ذلك السلم
مضت جمع تلوجمع لسنوات وسنوات .... أفتى الشيخ بجواز كل شئ يضع بيد الحاكم الأموال .... عربد الشر وأنتشرت الآثام وأسستبيحت الأنفس والأموال ... نزعت البركات وحلت اللعنات وغابت كل فضيلة ، لكن السلم كان يقترب من القمة شيئا فشيئا والشيخ يترقب يوم القضاء على الشيطان ويعد الناس بزوال النقم بمجرد قتل الشيطان سبب كل بلاء
ذات جمعة وقبل الصلاة إستدعى الحاكم الشيخ قائلا
.... لقد زارنى الشيخ ذو الألف مسبحة فى المنام وقال لى إجعل الشيخ يصعد الجبل فقد حان وقت التخلص من ذلك الشيطان
تهلل وجه الشيخ وهتف
.... أنا لها وكيف سأقتله
.... لقد قال الرجل ذو الألف مسبحة إجعل الشيخ يأخذ سيفا وكيسا من قماش عليه ختمك وزجاجة من نبيذ معتق من ألف عام ، فإذا قابل الشيطان فليسقه الخمر فيسكر ويغفو عندئذ يفتح الشيخ الكيس فتحل به قوة باهرة ويطعن الشيطان بسيفه فى عنقه فيقضى عليه
تناول الشيخ الكيس والزجاجة والسيف وذهب للصلاة وصعد المنبر وأخبرهم بالحلم وأن اليوم هو اليوم الموعود
صلى على عجل وأنطلق إلى الجبل وخلفه كل مصدقيه .... وقف الناس بسفح الجبل وصعد الشيخ الدرجات حتى وصل إلى قمة آزوت لحظة الغروب وقد بلغ منه الجهد والعطش كل مبلغ
رفع زجاجة النبيذ إلى فمه فجرعها دفعة واحدة ونزع ختم الحاكم عن الكيس ففتحه ووجد به ألف مسبحة من الزمرد والياقوت والمرجان وضعها حول عنقه ثم طوح بالسيف سكرانا فأصاب عنقه فى مقتل وسقط من فوق الجبل وضحكاته تتردد
لقد كان هو .... هو نفسه .....الشيطان منكاريس .!