اخر الاخبار

الأربعاء , 23 ديسمبر , 2015


حروف ممنوعة _ هشام حسن
((( الأسد المركوب )))
.....

إنه يوم أجازتى الأول منذ تم تعينى بهذه البلدة النائية كطبيب لوحدتها الصحية. لم يتح لى الوقت كى أتجول بالبلدة خلال الأسبوع الذى مكثته بها. لم يمنعنى تأخر الوقت و برودة الجو و زخات المطر الخفيفة من الخروج مرتديا معطفى الثقيل .

كان غاية ما أعلمه عن البلده أنها تقع على أطراف غابة فسيحة لاحظت أشجارها العاليه من خلال نافذة القطار. أخذت أجول فى الشوارع شبه الخالية بفعل البرودة و المطر. لم يكن هناك سوى بعض الحوانيت و المقاهى الصغيرة ذات الإضاءات الخافتة التى توارى روادها بداخلها طلبا للدفء .
فى نهاية الشارع لمحت إضاءات ملونه تعلن عن وجود سيرك. إقتربت من الخيمة الصغيرة – يبدو أنه سيرك جوال من النوع الذى يتنقل بين البلدات الصغيرة – قررت أن أدخل قليلا لأسلى نفسى فيبدو أنه لا يوجد ما يستحق التجول فى هذه البلدة .

بدأت الفقرات و كانت كلها أقرب الى السذاجة و شديدة القدم، مر بعض الوقت قبل أن اقرر المغادرة، خرجت من منطقة الكراسى الخشبية المضيئة بإتجاه باب الخيمة عندما سمعت صوتا هامسا بجوارى
..... سيدى هل ترغب بصورة مع الأسد
نظرت الى الرجل البدين الذى يحمل كاميرا عتيقه و قلت
..... صورة مع الأسد !!!!
..... نعم يا سيدى و هو موجود فى الخيمة الخلفية، تفضل فالسعر زهيد و هو أسد كبير و لكن لا يوجد أى خطر
ترددت قليلا فعادة ما يتم تخدير أسد صغير و إستخدامه لهذا الغرض و لكن لأجرب دفعا للملل، وافقت و تبعت الرجل إلى خيمة صغيرة ما أن دخلتها حتى تسمرت فى مكانى، إننى أمام أسد ضخم و المذهل أنه حر تماما!!! فلا يوجد قفص أو حتى سلسلة تربطه بأى شئ! سارع الرجل إلى القول
.... تفضل يا سيدى لا تخف على الإطلاق إنه غير مؤذ
.... كيف هذا ؟
.... إنه أسد مستأنس تماما
.... أسد مستأنس !!!!!
فى هذه اللحظة حدث شئ مذهل لا يصدق و لكنه حدث فعلا فقد نطق الأسد قائلا
.... إقترب ايها الإنسان اللطيف و لا تخش شيئا
وقفت مشدوها و أنفاسى تتقطع و قلت
.... ما هذا ... إنها خدعة لا يمكن ان تكون أسدا حقيقيا أو أن هذا الصوت ليس صوتك
... بالعكس أنا اسد طبيعى و لكننى بكثرة التدريب تعلمت الكلام
... هذا أغرب ما رأيت
... المهم الآن أن تسمح للمصور أن يلتقط لنا صورة .... أرجوك
.... ترجونى !!! و لماذا ترجونى
.... يا صديقى أنت لا تفهم لا بد أن يدفع شخص مثلك ثمن الصورة لإدارة السيرك حتى يحضروا لى طعاما و إلا نمت دون عشاء
نظرت إلى المصور مستغربا فهز رأسه تأكيدا على كلام الأسد
قلت
.... و كم ثمن الصورة
قال المصور
.... إذا كنت ترغب فى صورة بجوار الأسد فالثمن عشرة جنيهات أما إذا كنت ترغب فى صورة و أنت تركبه فالثمن عشرون جنيها
.... ماذا !!!! أركب الأسد !!! هذا جنون ، هل هناك اسد يقبل أن يركبه أحد؟
هنا تدخل الأسد قائلا
.... ليتك تركبنى أيها الصديق فكلما دفعت أكثر اصبحت كمية الطعام أكبر
قال المصور و هو يلحظ ذهولى الشديد
.... سيدى من الممكن ايضا ان تاخذ الأسد فى جولة فى الخارج مقابل ثلاثين جنيها فقط فى الساعة
.... اخذه فى جولة !!! و ماذا سيحدث إذا رآه الناس؟ ستكون كارثة

... إطلاقا يا سيدى فالناس قد إعتادت على الأسود المستأنسه، حتى الأطفال تخاف الكلاب أكثر من الأسود، فقط سنضع طوقا يشبه طوق الكلاب حول عنقه لتمسك به فقانون البلده يمنع تجول الأسد بدون طوق .

فكرت لدقيقة قبل أن أوافق على أن اصطحب الأسد فى جولة خارجية، لا بد أن أفهم سر هذا الأسد العجيب
......
خرجنا إلى الشارع ، لا أحد يعيرنا أى إهتمام !!!
كان الأسد يسير بسعادة واضحه
سألته
..... أنت تبدو سعيدا جدا
..... طبعا .. إنها من المرات القليلة التى يوافق فيها شخص طيب مثلك على أن يدفع مقابل إصطحابى للخروج
.... صدقنى إن كل القصة تبدو لى مذهلة تماما، إننى حتى لن أجرؤ على روايتها لأحد
.... ليس مهما أن ترويها لأحد، فقط لى عندك طلب
..... ما هو
..... إشترى لى طعاما و دعنا نسير بجوار النهر، حتى نصل إلى حافة الغابة
..... أى طعام تريد
..... ليتك تشترى لى شاورما الدجاج
..... ماذا؟ شاورما دجاج؟
..... نعم؟ مع الكثير من المايونيز من فضلك
..... أنت تصيبنى بالذهول
.... إشترى لى الطعام و دعنا نصل إلى حافة الغابة و هناك ستفهم كل شئ
إشتريت له و لى بعض الساندوتشات و مضينا نسير حتى وصلنا حافة الغابة يلفنا ظلام دامس عجيب
جلست أمام الأسد و راقبته يتناول الطعام حتى إنتهى
هنا رفع رأسه و قال
..... الآن ستسمع قصتى
قلت
..... كلى آذان صاغية
..... منذ سنوات كنت ملكا لهذه الغابة التى نجلس على أطرافها الآن
..... ملكا لهذه الغابة؟
.... نعم يا صديقى فقد قتل الصيادون الملك السابق عندما كان يحاول إنقاذ أنثاه من الصيد، و لذا أصبحت ملك الغابة بعد رحيل الأسد الملك

..... و كيف وصل بك الحال إلى ما أنت عليه الآن
..... فى يوم من الأيام كنت أجول الغابة لصيد طعام لى و لأسرتى عندما شاهدت عددا من الرجال يركبون مركبة غريبة إقتربوا منى و ألقوا أمامى غزالة كاملة ثم مضوا و أنا أزأر زأيرا يصم الآذان
..... أمر عجيب
..... تكرر الأمر أياما طويله، تركت الصيد و أصبحت أنتظر ما يجود به هؤلاء الرجال يوميا دون كد أو عناء، اصبحت أنتظرهم و ما أنا أراهم حتى أهز ذيلى مرحبا بهم فى سعادة و حبور
..... تهز ذيلك؟!
..... نعم فلم يصبح من اللائق أن أزأر بوجه هؤلاء الصحب الكرام الذين يوفرون لى الطعام و لأسرتى
..... و ماذا حدث بعد ذلك
..... فى يوم حضر الرجال فى موعدهم فأقتربت منهم بإنتظار طعامى و لكننى أحسست وخزة غريبة فى فخذى ثم تموجت أمامى الصور و لم أدر بشئ مما يحدث
..... لا بد أنهم أطلقوا عليك حقنة مخدرة لقد كان فخا من البداية

..... نعم إستيقظت لأجد نفسى فى قفص فى مكان غريب حاولت أن أزأر و لكننى إكتشفت أننى قد نسيت كيف يكون الزئير و الغريب أننى وجدت صوتى شبيها جدا بأصواتهم بل أننى وجدت لسانى ينطق بما يريدون و نسيت تماما لغة الأسود

..... هذا غريب كيف تبدل صوتك
.... لا بد أنه كان ذلك الطعام فقد علمت بعد فترة من أنهم يضعون مواد غريبة فى الطعام الذى يقدمونه للحيوانات فتتطبع بما يريدون و تتحدث لغتهم و منطقهم
..... و لماذا يفعلون كل ذلك، هناك مئات الأسود الذين يعيشون فى سيرك و لكنهم لا يزالون أسودا متوحشة
..... لم يكونوا يريدون أسدا يزأر أو يخيف رواد السيرك بل كانوا يريدون أسدا يأتى بما لم تأت به من قبله الأسود
..... و كيف ذلك
.... كانوا يريدون أن أودى رقصة يومية
..... رقصه !!
..... نعم رقصة على أنغام الموسيقى
.... يا للبشاعه و كيف هانت عليك نفسك لقد كان الموت أكرم لك
.... إنه حب الطعام و حب القيادة
.... قياده؟ أية قيادة؟

..... لقد أعتادوا أن يأخذوتى إلى أطراف الغابة حتى أنفرد بعدد من الأسود الوليده و أغريها بالطعام الوفير فتأتى معنا، و كانوا يجعلونها تشاهدنى أثناء أداء فقراتى الراقصة فأصبحت قائدهم و معلمهم و نشأوا جميعا أسودا راقصة

..... يا لهول ما أرتكبت ، لم تلوث نفسك فقط و لم تغتال فطرتك لوحدك بل لوثت جيلا كاملا و وأدت ما فطر عليه الأسود من العزة و القوة

..... هذا ما حدث
..... و لكننى لم أشهد فقرة راقصة لك
..... بمرور الزمن و التكرار سئم رواد السيرك فقرات الأسود الراقصة و اصبحت غير ذات جدوى، و لذا أصبح طعامنا مرتبطا بأن نركب أو يلتقط لنا صور مع هذا أو ذاك و أصبح المقابل قطعة شاورما أو بقايا قطعة هامبورجر

..... يا لها من نهاية! صدقنى لم أمقت شيئا فى حياتى كما أمقتك
.... لا تنس أننى وفرت للاسود الطعام و المأوى هل تنكر ذلك
.... لو كان ثمن الطعام أن ترقص و تُركب فالموت جوعا ثمن رخيص للكرامة

.... أنا أعيد التفكير الآن ... لقد كبر سنى و لم يعد هؤلاء الجبناء يقدمون لى ما يكفى من الطعام، لذا إتركنى أرجع للغابة فسأجمع الأسود حولى و نعيد للغابة عزها
.... مستحيل لن تستطيع ذلك أبدا لقد فقدت روحك و عزتك و أصبح الذل و الهوان يسرى بك مسرى الدماء، لن تقوم للأسود قائمة ما دمت على وجه الأرض، أنت تكسر نفوسهم و تطفئ جذوة سؤددهم بخنوعك و ذلك و إنحناءك لعدوهم
.... ألا تمنحى فرصة ؟
.... سأمنحك فرصة لا تعوض
..... و ما هى
....ضع رأسك تحت ماء النهر لدقيقة واحدة فماء النهر يعيد العزة و الكرامة المفقودة
... حقا ؟
... نعم جرب و سوف ترى
نهض الأسد فرحا و سار خطوات نحو النهر، ثم أقحم رأسه تحت الماء، أخرجت مسدسى المرخص لمثل هذه المنطقة النائية و أطلقت الرصاص على رأسه ... إرتعش جسده .... أخذ يغوص رويدا رويدا و يختفى شيئا فشيئا ... إضطربت صفحة النهر قليلا بأنفاسه الأخيرة ثم حل بها سكون الموت التام .
أخذت أرقب مكان غيابه من صفحة النهر، مرت لحظات قبل أن تظهر دائرة مضيئة صغيرة، أخذت تتوالد لتتراقص فوق المياة دوائر تتسع و تتقارب، إلتفت خلفى لأجد شعاعات من ضياء تمر من ظلام الأشجار الكثيفة .... فأيقنت أن صبحا جديدا...... يوشك أن يتنفس.!


القراء 2343

التعليقات


خريطة الموقع


2024 - شبكة صوت الحرية Email Web Master: admin@egyvoice.net