حروف ممنوعة _ هشام حسن
الخوازيق
...........
........
قبل عشرات السنين تم الإعلان فى وطنى عن مشروع قومى . هل تسألون ولماذا هو قومى ؟ سأجيبكم ايها الأصدقاء فأنا أعلم انه لا يوجد أى شئ قومى فى بلادكم لأن قصص الأوطان كلها لا تشبه قصة وطنى
قبل ذلك التاريخ بعشرات السنين أيضا ولى أمور البلاد زعيم حنجورى يجيد فخم الكلام وصناعة الأحلام ، نعم أيها الأصدقاء ففى وطنى نعشق الكلام والأحلام ونتغذى بهما وعليهما حتى لننام ونحن متخمى الآذان وإن كنا فارغى العقول والبطون
كان ذلك الزعيم ورهطه مدمنون للكلام أيما إدمان ، فقد هزم الوطن على أيديهم فى كل معاركه وسحق جيشنا وتوزعت جثث أبناءه بالعدل والقسطاس فى كل الدول المجاورة ورغم ذلك كان كل شئ فى ذلك الزمان إسمه نصر!!
نعم فقد كان التلفاز ماركة نصر ... السيارة نصر ... الغسالة نصر ... ماكينة الخياطة نصر ... والصحراء التى ستنشأ بها بضعة عمارات تسمى مدينة نصر !!
أرأيتم كم هم مبدعون أولئك الرهط ، سينسى أباء الشهداء وأمهاتهم وزوجاتهم وأولادهم وجيرانهم كل آلامهم بمجرد أن يروا صورة الزعيم المفدى على شاشة تلفاز بجانبها كلمة نصر أو يسمعون تلك البيانات التى بشرتنا بتحطيم جيش الأعادى سبع مرات - فيما كان العدى يدفنون جنودنا أحياء - تنبعث من مذياع ماركة نصر!!
آه أين كنا !؟ نعم كنت أحدثكم عن سر (القومى) ، الفشل لا يتجزأ يا أصدقاء فكما كان الزعيم ورهطه فشلة فى ميدانهم الأساسى وهو أرض المعارك فقد كانوا أشد فشلا فى شئون إدارة الدولة ، أطلقوا العديد من المشاريع التى كانوا يطلقونها ليغترفوا من خيرات الوطن تحت مسمياتها ، ولكى يحموا هذه المشاريع الفاشلة وإداراتها الناهبة من أى محاسبة أو إنتقاد فقد ألصقوا بها جميعا إسم (قومى)
ومن ذا الذى سيجرؤ على أن ينتقد مشروعا أو هيئة يلحق إسمها كلمة (قومية) فيوصم فورا بخيانة الأوطان ويستحق أن يختفى للأبد غير مأسوف عليه ؟
هل تصدقون يا أصدقاء أنه فى وطنى يوجد مسرح قومى وسيرك قومى به حيوانات قومية ، كما توجد مهرجانات قومية للسينما والرقص ترقص فيها راقصات قوميات أيضا !!!
ما علينا من ذلك التاريخ البعيد الكئيب ودعونى أحدثكم عن ذلك الحلم الجميل فقد أعلن الزعيم القومى (فهو من سلالة ذلك الرهط القومى) عن مشروع قومى جديد سيغير وجه البلاد وحياة العباد
سيتم إنشاء شبكة قومية من الكبارى تصل شرق الوطن بغربه وشماله بجنوبه فيصبح الوطن معبرا للتجارة العالمية ومركزا لوجستيا لكل البضائع (لوجستى كلمة لا يعرف اصحاب المشروع نفسه معناها ناهيك عن غالبية أبناء الوطن)
أعلن الزعيم عن المشروع فى يوم أغر فرقص الراقصون وغنى المغنون وتقاطر الخبراء على الشاشات يتواثبون وجمعت الأموال من الشعب المطحون
أعلن سيادة المارشال مدير المشروع أنه لابد من إنشاء تسعة ملايين خازوق لحمل تلك الكبارى ، وأعلن عن تكوين الشركة الحربية القومية للإنشاءات الخازوقية والتى ستراقبها الهيئة الحربية الخازوقية العليا لشئون الخوزقة
سار العمل على قدم وساق ، رفعت أسعار الوقود والكهرباء والغذاء لتوجه أموال دعمها لإنشاء الخوازيق ، تركت المصانع بدون مواد خام لتحويل إعتماداتها لإنشاء الخوازيق ، حفرت الأراضى الزراعية التى بارت لشح المياة والسماد لتدق بها الخوازيق ، إشتعلت أسعار مواد البناء لتوجيه كل الكميات لإنشاء الخوازيق ، بالإختصار أصبح توجه الدولة كله خازوقيا بإقتدار
لم يخل الأمر من فوائد فقد إنتعشت سياحة الخوازيق داخليا وأقيمت رحلات مدرسية ومؤسسية لزيارة الخوازيق كما قامت شركات لتجميل الخوازيق بالألوان الجميلة وعبارات تمجد البنائين لها ، ونمت تجارة الدراجات أو الحمير لتسير وسط الخوازيق التى لا يمكن للسيارات أن تسير من خلالها كما وجد أطفال الشوارع والمعدمون ملاذات آمنه وسط الخوازيق فقد كان من السهل أن تصنع بيتا من الملاءات بين أربعة خوازيق يتم تأجيرها من قبل بلطجية خوازيق كل منطقة
وهكذا مضى الوطن يا أصدقاء ينتظر حلمه على وقع الخوازيق ، تحمل الناس الجوع والفقر والمرض والموت بلا ثمن إنتظارا لتحقق الحلم ، ذهب جيل وجاء آخر وآخر وشيئا فشيئا نسى الناس حلمهم وسبب إنشاء تلك الخوازيق ، المذهل أنهم تمسكوا بخوازيقهم التى لم يعرفوا حياة بدونها ولم يروا أرضا لا تخترقها الخوازيق ، لقد إعتادوا خوازيقهم كما إعتادوا ذلتهم وبؤسهم المتوارث عبر السنين
عندما تروى تلك الحكاية فى وطنى الآن ..... يذكر أبناءه من خزوقهم بكل خير!!