حروف ممنوعة _ هشام حسن
هل يمكن ان يكون (....) عاشقا متيما بالوطن ؟
قصة خيالية لوطن متخيل
وصلت تعليمات (سرية) إلى إدارة المصلحة الحكومية التى أعمل بها .... عندما توصف تعليمات بأنها سرية فى وطنى فهذا معناه أن يبلغ كل شخص هذه المعلومة لكل من يعرفهم مع التأكيد عليه أن يحفظ السر.
وهكذا فى خلال يوم واحد كان نص تلك التعليمات معلوما لماسح الأحذية الذى يتخذ موقعه امام الباب الرئيسى للمؤسسة.
كانت التعليمات تقول
(نظرا للمرحلة الحساسة التى يمر بها الوطن يتعين على الإدارة إختيار أحد الموثوق بهم من الوطنيين الشرفاء بكل مكاتب المصلحة وتكليفه بالإبلاغ عن أى أنشطة قد يشتبه بأنها تضر الوطن من الموظفين أو المراجعين على أن يتم تمييزهم من خلال حوافز الإنتاج المخصصة بالموازنة العامة)
حسنا .... من الواضح أن الوطن لا يزال يمر بتلك المرحلة الحساسة التى بدأت قبل قرن ونصف من الزمان .... الحمد لله أن لدينا تلك القيادات الوطنية الحادة الذكاء التى ستنفق أموال حوافز الإنتاج لتشجيع الموظفين على الوشاية بزملائهم الذين يكرهون الوطن !
السؤال المحير الآن هو من الذى سيتم إختياره من مكتبنا ليكون المواطن الشريف الذى سيبلغهم بكل كلماتنا أو حتى ضحكاتنا على خبر أو ترديدنا لنكتة أو حتى ربما بذكر آية قرآنية ؟
نعم ففى المراحل الحساسة من الممكن أن يكون مجرد صمتك عن ترديد أهازيج القطيع الغبية دليلا على أنك عميل كاره للوطن
لا وقت لدى ... أحضرت ورقا وقلما لأكتبت تحليلا لكل شخصية من شخصيات الزملاء لأعرف من منهم يمكن أن يكون صالحا للإختيار من الإدارة لأكون على حذر منه .... الجميع يدعى حب الوطن ... ولكن لابد لى من تحديد من أكثرهم حبا للوطن وبالتالى يكون مرشحا للإختيار
((سعيد الطوانسى))
فى الخامسة والأربعين من عمره ... عندما كان فى السادسة والثلاثين كان ينتظر طفله الأول الذى حملت به زوجته فى محاولتهما الرابعة عن طريق التلقيح الصناعى ... لقد عوضه الله عن المرات الثلاث الأولى التى إستنزفت ميراثه كله فى مراكز طبية تبين أنها جهات للنصب تمارس عملها عن طريق تقديم الرشاوى لموظفى وزارة الصحة .... حملت زوجته أخيرا والحمد لله ... قبل الولادة أصيبت فجأة بنزيف حاد ودار بها على المستشفيات ليوم كامل حتى تمكن من إنقاذ حياتها بعد فقد الجنين والرحم .... تبرع لها بالدم لينقذها ولكن يبدو أن الأدوات لم تكن معقمة جيدا لإنعدام الضمير والرقابة على المستشفى - نظرا لأن مالكها هو وزير الصحة نفسه – فأصيب هو وزوجته بفيروس الإلتهاب الكبدى وتوفيت هى قبل اشهر قبل أن تستفيد بإختراع خير سباكى الأرض
هل يمكن ان يكون سعيد عاشقا متيما بالوطن ؟
((على العربى))
كان على قبل عشر سنوات يعتنق الفكر الشيوعى ، لا يهتم بمظهره كحال الشباب الشيوعى ويطلق لحيته تشبها بكاسترو وجيفارا ، كان عائدا من سهرته مع بعض الأصدقاء ذات فجر وقد أسرف فى تعاطى الخمر ، اخطأ الطريق فمر أمام مسجد كان يخرج منه المصلون من فريضة الفجر مباشرة إلى بوكس الشرطة فأخذوه معهم
فى التحقيقات سب الدين عشرات المرات وطلب أن يحللوا دمه ليثبت لهم أنه يعاقر الخمر ويتعاطى المخدرات فينجو، ولكن لم يسمع له أحد ، تم حبسه إحتياطيا مع أفراد الجماعة الضالة لمدة أربع سنوات رأى فيها أنواعا لم تخطر له ببال من العذاب ثم تم الإفراج عنه أخيرا لعدم ثبوت التهمة عليه فخرج حافظا للقرآن وصحيح البخارى تأثرا بمخالطته لأهل الضلال
هل يمكن ان يكون على عاشقا متيما بالوطن ؟
((علاء المناخلى))
إبن لأسرة ثرية تعلم تعليما راقيا ، تزوج قبل ثمان سنوات وأنجبت زوجته طفلة رائعة الجمال فأقام لها حفل عيد ميلادها الأول فى شقته الواسعة الجميلة فى عمارة فخمة كان قد إنتقل إليها قبل شهور ، بعد نهاية حفل عيد الميلاد نزل لتوصيل حماه وحماته واثناء عودته إتصلت به زوجته لتبلغه أنها تحدثه من تحت أنقاض العمارة !
استغرق الأمر يومين للوصول إلى موقع الزوجة تحت الأنقاض – حيث لا توجد معدات متخصصة لرفع أنقاض تلك العمارة – كما عثر على طفلته أيضا وقام بدفنهما معا
تم تقديم مالك العمارة عضو حزب (وطننا أمنا) الحاكم إلى المحاكمة حيث تبين أن ترخيص العمارة والأساسات المقامة كانت لسبع طوابق وليس عشرين طابقا ، فصل القضاء الشامخ بالوطن فى الدعوى بسرعة بعد ست سنوات مصدرا حكما تاريخيا يضرب بيد من حديد على يد الفاسدين الذين يتهمون الشرفاء حيث حكم ببراءة مالك العمارة وألزم مقيمى الدعوى بالمصاريف فدفع علاء أربعين الف جنيه لمالك العمارة
هل يمكن ان يكون علاء عاشقا متيما بالوطن ؟
((كامل عسران))
تجاوز الأربعين ولم يتزوج نظرا لأنه يعول أبويه وأخاه القعيد حسن ، كان حسن شابا فى السنة الأولى لكلية الطب خرج ذات مرة فى تظاهرة سياسية وبينما كان فى وسط زملاءه أقتحمتهم مدرعة يقودها أحد حماة الوطن فقتلت ثلاثة منهم وتركت أربعة منهم – من بينهم حسن- مشلولين شللا رباعيا ، لم يتم التوصل للفاعل ولكن تم صرف معاش 126 جنيه لحسن لمدة سنة ثم توقف بعد صدور حكم شامخ آخر بأنه لا يوجد مدرعات أساسا
كان له أخ ثالث يدعى وليد تأثر كثيرا بما حدث لأخيه فقرر الهجرة ليساعد أهله بالمال وتمكن بفضل الله بإيجاد عقد عمل فى دولة نفط مكث بها عاما كاملا دون أن يحصل سوى على الفتات حيث لم يعطه الكفيل هناك سوى ربع مرتبه ، تقدم بشكوى لسفارة الوطن العامر ليحصل على مستحقاته ، فنصحوه بأن (يغور فى داهية) فأقترض تذكرة عبارة تموج بمعدمى الوطن المسحوقين فى بلاد النفط وأبتلعهم البحر ليريحهم نهائيا فى حادثة حسمها الشوامخ ببراءة كل المسئولين عنها بإستثناء الغرقى
هل يمكن ان يكون كامل عاشقا متيما بالوطن ؟
((حسين عبد الكريم))
هو أكبرنا سنا ... موظف مجتهد جدا قضى حياته يخدم الوطن ولكنه على وشك ترك العمل وتسوية معاشه ليرعى زوجته طريحة الفراش ذاهلة عن الدنيا منذ تعرض إبنتهم للإغتصاب على يد عصابة إستوقفت سيارة زوجها على أحد الطرق تحت تهديد السلاح وعندما حاول المقاومة قتلوه وخطفوها وعادت بعد ايام مغتصبة ثم غافلت أبويها وألقت بنفسها من الطابق السادس قبل مرور أسبوع
هل يمكن ان يكون حسين عاشقا متيما بالوطن ؟
........
............
مكتبنا لايوجد به سوى ستة موظفين أنا أحدهم ! .... يا للداهية هل سيختاروننى أنا ؟
بالتأكيد لن يختاروا أيا من الزملاء ، على الأقل أنا لم أتزوج وبالتالى ليس لدى أولاد وليس لى أخوة كما أن والداى ماتا قبل أن أبلغ السادسة لا أقرأ الصحف ولا اشارك بأى نقاشات ولا حتى أسمعها ولا أتابع سوى قناة الدولة التلفزيونية وليس لى أى صداقات ولا أخرج سوى للعمل فقط ، أننى مواطن مثالى تماما
المصيبة أننى لابد أن أقدم التقارير ، ماذا سأكتب ؟ ... حسنا لا توجد مشكلة فيما أعتقد ..... سأقدم لحماة الوطن ما كتبته أعلاه عن كل زميل ... بالتأكيد حالتهم جميعا تجعلهم مرشحين لأن يصنفوا كأرهابيين على أتم الإستعداد لأن يفجروا أنفسهم فى أحضان الوطن عشقا به وهياما ... أليس كذلك ؟