اخر الاخبار

الأربعاء , 23 ديسمبر , 2015


حروف ممنوعة _ هشام حسن
((المطبخ))

..........
......

ما أجمل مذاق هذا الكاكاو الساخن فى هذه الليلة الباردة ، يشكل مع الرواية التى أقرأها جوا جميلا يبعث فى نفسى سلاما صافيا .
أقبلت حرمى المصون متهللة الوجه و شذى عطر جميل ينبعث منها (لا بد أن وراء الأكمة ما وراءها)
مدت يدها لتسحب الرواية برقة ( مشوبة بقوة قاهرة ) من يدى فتصاعدت المخاوف فى رأسى
قالت بصوت حنون
..... سيبك من الرواية دى أنا عايزه أفرجك على مجله حلوه
..... مجله !! مجلة إيه ؟ إحنا بتوع الحاجات دى
..... حاجات إيه ؟ دى مجلة مطابخ ( منصور منصور ) بص شوف
..... ايوه و أنا حتفرج على مطابخ ليه
...... أصلى بفكر نغير مطبخنا
عندما تقول زوجتى أنها (تفكر) فهذا يعنى أن الأمر قد أصبح حقيقة واقعة و تصبح المسألة مسألة وقت فأنا رجل قوى الشكيمة ليس من السهل أن تفرض زوجتى على أى رأى دون قناعة تامة منى و عادة أقتنع بعد مناقشة و تدقيق و تمحيص و تقليب للأمر على كل الأوجه و هذا بالطبع يستغرق وقتا طويلا قد يصل أحيانا إلى خمس دقائق .
فى اليوم التالى كنا نجلس أمام مهندسة بمكتب السيد (منصور) للإتفاق على التفاصيل ، تهتم زوجتى بتفاصيل لا حصر لها فى هذه الأمور بينما لا تهمنى أنا سوى تفصيلة بسيطة جدا و هى (المبلغ المطلوب (
المهندسة تتحدث بالإنجليزية معظم الوقت متكلفة اللكنة الأمريكية - مثل ملابسها التى تنتمى لموضه كازينوهات لاس فيجاس – و هى كعادة المصريين الذين يسوقون سلعا باهظة جدا تتكلم معنا و كأنها بنت الباشا و إحنا سواقين حنطور والدها
هذه خصلة عجيبة لدى شعبنا و هى الإحساس الشديد بالإنتفاخ لدى العاملين بهذه الأماكن و حرصهم الشديد على أن يوصلوا لك الإحساس بأنك (مش فارق معاهم أساسا) و إن أى شئ ستشتريه منهم لا يشكل قيمة لديهم ، إذهب إلى أى قرية سياحية بشرم الشيخ أو الغردقة أو إدخل أى فندق خمس نجوم و ستفهم ما أعنيه.
دامت المقابلة ساعات لإختيار ستايل المطبخ ( لديهم ستايل يابانى و ألمانى و رومانى و أفريقى و أمريكى و أندلسى و فرعونى كمان !!!! ناس فاضيه خالص.... لكن أكيد العيب ليس عيبهم ..... العيب أكيد فى الزوجات ...... أو بمعنى أدق الرجال الذين يوافقون زوجاتهم)
نقاشات طويلة حتى تم الإستقرار على كل شئ و جاءت اللحظة الحاسمة و سألت عن السعر
نظرت إلى المهندسة بإستغراب مصحوب بإشمئزاز متقزز معناه (يااى دا إنتم بيئه خالص بتسألوا عن الأسعار)
عصرت على نفسها لترين ليمون و قالت
..... نرفع المقاسات و نعمل العقد و كل حاجه حتكون واضحه
تم رفع المقاسات كما تم توقيعى على العقد فى لحظة من أنكد لحظات العمر بمبلغ يتجاوزالسبعين ألف ملطوش تدفع كالتالى
35% دفعة تعاقد
35% دفعة عند بدء التنفيذ
25%عند الإنتهاء و قبل التركيب
5% عند التركيب
يعنى سيادتك تدفع 95% قبل ما تشم ريحة المطبخ و لا تلمس منه حاجه !!!
تاريخ التسليم بعد تسعة اسابيع من تاريخ توقيع العقد
بعد عشرين إسبوعا حان موعد التركيب الفعلى ( تأخير بسيط هى الدنيا طارت)
أخيرا وصل المطبخ بحفظ الله مصحوبا بسبعة من الرجال الأشداء
إستمرت محاولات التركيب سبع ساعات حتى خرج علينا رئيس فريق التركيب متجهم الوجه ليقول
..... فى مشكلة بسيطة فى مكان الثلاجة و البوتجاز و غسالة الأطباق
..... خير ؟ مشكلة إيه ؟
.....أصل مكان العمود اللى فى الحيطة جاى ورا الخشب فمش عارفين ندخل الخشب للآخر و صرف غسالة الأطباق مترحل شويه و ماسورة الغاز جايه فى وسط الضرفه الإزاز و الثلاجه حتكون خارجه لبره شويه
..... يا نهار إسود !!! يعنى المطبخ كله بايظ
..... لا خالص دى كلها فرق سبعة مللى فى مكان العمود هى السبب فى كل ده ، كل حاجه مظبوطة مفيش فرق غير سبعه مللى
..... خلاص إنتم خذوا مطبخكم ظبطوه
..... لا مش إحنا المسئولين اصل العمود عندك فيه ميل شويه
) فى مصرنا الحبيبة لا أحد يخطئ ، المخطئ دوما شخص آخر يعيش على كوكب مجهول(
قلت و أنا اكاد أنفجر
..... ما إحنا كنا مركبين زفت مطبخ و كان العمود ده موجود و معمول حسابه بعدين مش إنتم عاينتم و رفعتم المقاسات بنفسكم ليه ما عملتوش حسابكم
..... حضرتك بتزعق لينا ليه ؟ إحنا بتوع التركيب و مالناش دعوه ، كلم الإداره و تفاهم معهم
...... الساعه 11 بالليل حكلمهم فين
..... خلاص كلمهم بكره بس إمضي حضرتك بالإستلام
...... إستلام إيه يا جدع إنت مش ماضى على حاجه
..... يا بيه إنت كده بتأذينا
..... ما تتأذوا و لا تتهببوا ، هو إنتم ولاد خالتى

فى اليوم التالى توجهت للمكتب و طلبت مقابلة (منصور) و لكن تم تحويلى لمدير خدمات العملاء الذى أكد لى أن شغلهم سليم و أن المشكلة مشكلتى
أخذت أزعق بلا جدوى فقد أضحت ال 95% فى كرش منصور و إنتهى الأمر
قررت ألا أستسلم .... نحن فى بلد قانون (ممنوع الضحك) ..... توجهت لقسم الشرطة و بدأت فى رواية قصتى و عندما وصلت إلى رقم السبعين ألف نظر إلى الضابط بقرف شديد و عندما وصلت إلى نقطة السبعة مللى صاح بى
.... سبعه مللى ؟ سعادتك جاى تشتكى على سبعة مللى ، بعدين يعنى إنت عامل مطبخ بسبعين ألف حتفرق معاك سبعة مللى ؟
(هذه عقيدة راسخة لدى المصريين أى شخص مقتدر فماله حلال بلال لكل هباش معتد اثيم خليهم يسرقوه ، هى بتفرق معاهم ، يا عم دول ولاد ستين...)
و إنتهت قصتى أو توقفت أو أصبحت غير مهمة و لكن
كم سبعة مللى أفقدتنا اشياء غالية و ثمينة لا تعوض
كم من أناس فقدوا حياتهم لأن شخصا ما لم يربط صامولة جيدا فى فرامل أتوبيس ؟ إنها مجرد صامولة ولكن ثمنها كان غاليا
كم من مريض مات من أجل سنتيمتر زيادة فى المخدر إنه مجرد سنتيمتر
كم من طالب تغير مستقبله من أجل درجة أو نصف درجه تركها مصحح فى ورقة إجابة
كم من عمائر تهدمت و طرق تكسرت لفروقات بسيطه فى المعايير المفروضه
ما الذى أوصل بلادنا لما أصبحت عليه
مجرد مليمترات قليلة و ثوانى ضئيلة يتغاضى عنها كل منا تجمعت و شكلت سدودا عالية بيننا و بين أى تقدم أو إنجاز
صدقونى ليست المسألة مسألة مطبخ فربما أستطيع تغيير مطبخى و لكن... كيف يمكن... أن أغير الوطن .!





القراء 2176

التعليقات


خريطة الموقع


2024 - شبكة صوت الحرية Email Web Master: admin@egyvoice.net