حروف ممنوعة بقلم/ هشام حسن
الببغاوات
..........
......
خبر سعيد .... تم تعيين خالى وزيرا للصحة
منذ أسبوعين و شعب دولتى ينتظر أسماء حكومة (الحرب) المكونة من (المقاتلين) و التى إختارها الزعيم المظفر
لماذا هى (حكومة حرب) و لماذا تتكون من (المقاتلين) .... هذه أسئلة يسألها المواطنون فى الدول الآخرى فقط .... شعبنا يعلم أن وطننا يحارب منذ آلاف السنين و سيظل كذلك إلى أن يرث الله الأرض و من عليها .... نعم فكل سكان المجرة الكونية متفرغون لحرب دولتى بالذات !
دعونى أصارحكم أن حكومات المقاتلين المحاربين بقيادة الزعماء التاريخيين نجحت نجاحا باهرا و دولتى الآن تتذيل كل الدول فى التعليم و الصحة و الطرق و السعادة و سرعة الإنترنت عدا أربع دول يهددنا الزعيم دوما بأن نصبح مثلها ليبرر كل بلية و مصيبة
المهم .... أنا فى قمة السعادة .... فى دولتى قرابتك لسكرتير مدير مكتب مساعد الوزير تفتح أمامك أبوابا لا تفتح و لو أنفقت ألف عام تطرقها فكيف بمن كان إبناً لأخت الوزير نفسه
شددنا الرحال أنا و والدتى إلى بيت خالى للتهنئة بعد شهرين من تقلده المنصب .... أعانه الله لم يذق ساعة من راحة ليتمكن من مقابلتنا فهو - ككل وزراء و زعماء دولتى – يعمل آناء الليل و أطراف النهار ..... أليس مقاتلا فى حكومة حرب ؟
بدا وجه خالى مرهقا مهموما ، سألته
..... ما بك يا خالى ؟ لقد أصبحت وزيرا و الحمد لله
.... أنا فى ورطة يا بنى
.... أى ورطة لا سمح الله
.... الحال مزرى بشكل لا يصدق .... المستشفيات كالخرابات تموج بالقطط و الثعابين .... الداخل إليها مفقود و الخارج منها مولود ...... كل المرافق الصحية منهارة .... الأمراض منتشرة بين الشعب كالنار فى الهشيم ......المرضى يضربون الأطباء لعدم وجود علاج.... و الأطباء لا تكفيهم مرتباتهم ليسدوا رمقهم .... الميزانية تم تقليصها أيضا و هى فى الأصل لا تغنى و لا تسمن من جوع .... أنا محكوم على بالفشل مهما فعلت
قلت
.... سامحك الله يا خالى .... ما علاقة النجاح بجودة المستشفيات أو علاج الشعب ؟ النجاح أسهل من ذلك بكثير
قال مدهوشا
.... كيف يمكن أن ننجح دون أن نعالج هذه البلايا
قلت و أنا أبتسم إبتسامة ذات مغزى
.... لدى أفكار تضمن لك أن تكون أنجح وزير فى الوزارة .... فقط أعطونا فرصة
.... أى فرصة
.... ألا توجد وظيفة لإبن أختك حبيبك يا خالى .... حتى و لو وظيفة مستشار
........
......
بعد يومين عينت بوظيفة مستشار وزير الصحة ( فى بلادى تحتاج إلى ألف شهادة لتتعين فى وظيفة كاتب أما وظيفة الخبير الإستراتيجى و المستشار اللوذعى فلا تحتاج سوى دفعة بسيطه من رجل مهم مع بذلتين فاخرتين)
.........
......
فى إجتماعى الأول قلت لخالى الوزير
.... لابد أن نتبع أسهل وصفة للنجاح السريع
.... و ما هى هذه الوصفة
... إصنع عدوا
.... و هل ينقصنى الأعداء؟ أليست المستشفيات المنهارة و الأجهزة الخربة و الأدوية المغشوشة كافية لأصنع أعداء آخرين ؟
.... يا خالى هؤلاء أعداء لا يمكن الإنتصار عليهم سوى بالتخطيط السليم و العمل من الجميع بضمير و صدق لسنوات، من لديه الوقت لذلك؟ أنت رجل مقاتل فى حكومة حرب و لا بد أن نحقق نصرا سريعا ، لهذا سنصنع عدوا و ننتصر عليه فيتغنى الجميع بنجاحنا
.... أنا لا أفهم شيئا مما تقول
.... أنا لم أضع وقتا و لدى خطة متكاملة ، لقد قمت بدراسة مستفيضة لمدة ساعتين على صفحة منظمة الصحة العالمية ، هناك وباء إسمه (إستولا) اصاب تسعين مواطنا فى دول فاسوليا و بولوليا و كاكاسوليا
.... يا بنى هذه دول تبعد عنا عشرات الآلاف من الكيلومترات ما علاقتنا بها؟
.... سترى يا خالى ، فقط إعطنى صلاحيات كاملة و ستكون نجم حكومة الحرب و المقاتل الأول خلال إسبوعين
........
......
تم إعطائى الصلاحيات
فى اليوم التالى كانت جميع الصحف تكتب الخبر التالى
(رعب فى العالم من وباء إستولا و منظمة الصحة العالمية تحذر من أن المرض من الممكن ان يقتل سبعين مليونا خلال شهرين ، المرض ينتقل عن طريق براغيث تعيش على جسد الببغاء الفاسولى ذو المنقار الأصفر)
لا تقلقوا ... لا أحد فى دولتى سيكلف نفسه التحقق من هذا الكلام سوى قلة مندسة نحن جاهزون لها بأنها عميلة و ضد الوطن و اعضاء تنظيم إستولا العالمى
بعد يومين تصريحات لى فى كل الصحف
(جاهزون للتصدى للإستولا)
فى اليوم التالى لقاءات فى الصحف و الإذاعة و التلفزيون
(لا صوت يعلو فوق صوت معركتنا مع الإستولا .... ليتأجل كل شئ حتى نقضى على الإستولا .... كل الموارد ستوجه للمقاومة .... تشكيل فرق متخصصة لمنع دخول الببغاء ذو المنقار الأصفر إلى البلاد)
كل يوم فى كل وسائل الإعلام
(فرق المكافحة تمنع ثلاث ببغاوات ذات منقار اصفر من عبور الحدود .... القبض على رجل من كارهى الوطن يخفى ببغاء ذو منقار أصفر فى ملابسه الداخلية قادما من دولة كارهة للوطن ...مصرع زوجة كاره للوطن حامل فى ببغاء ذو منقار أصفر كانت على وشك ولادته لنقل المرض للمواطنين على يد ضابط بطل ..... وزير الصحة يصطاد بنبلته الشخصية ببغاء ذو منقار اصفر من شرفة منزله)
لا حديث الآن عن مرضى الكبد أو الكلى أو الأورام أو من ينظرون إجراء جراحات قلب .... عندما يصرخ مريض فى مستشفى طالبا علاجا لهذه الأمراض التى تعشش فى جسده يهاجمه المرضى الاخرون أنفسهم قائلين
.... هل تريد أن نكون مثل فاسوليا و بولوليا و كاكاسوليا ؟ نحمد الله فنحن مرضى بكل أمراض الدنيا و لكن الحكومة تحمينا من الإستولا القادم على أجنحة الببغاوات ذات المناقير الصفراء
أصبح خالى بطلا قوميا و حامى حمى الوطن يتغنى بإسمه المرضى فى ساعات إحتضارهم ببلاهة سعيدة
ذات يوم إتصل بى وزير الموارد المائية و هو أقرب الوزراء لخالى و طلب أن أقبل وظيفة مستشار فى الوزارة لمدة ساعتين فى الأسبوع بمرتب خيالى
كانت مشكلته مختلفة ... المياة مقطوعة عن البيوت و الزرع يموت من العطش و الحلول تحتاج لإنشاء محطات مياة و التى تحتاج إلى طاقة كهربائية و هى بدورها تحتاج إلى وقود و هو يحتاج إلى نقود و كل هذا غير متوفر و لن يتوفر خلال القرن الحالى بدولتى ... ما الحل؟
بعد أيام كانت كل وسائل الإعلام تتحدث عن الببغاء ذو المنقار الأرجوانى و الذى يعيش عند منابع النهر العظيم الذى يشق أرض بلادى .... لقد بدا ذلك الببغاء فى الإستحمام فى النهر – و هناك شواهد أن تنظيم كارهى الوطن هم من أقنعوا تلك الببغاوات اللعينة بالإستحمام فى منابع نهرنا – بمجرد أن يستحم الببغاء ذو المنقار الأرجوانى فى مياة النهر يحمل الماء زغبا من ريشه يسبب لمن يشربه مرض الباستولا و هو مرض خطير جدا جدا جدا
كل موارد الوزارة موجهة لتنقية المياة من الزغب .... هل تريدون أيها الشعب أن نترك المياة تصلكم دون فحص دقيق ؟ .... الموت عطشا قد يستغرق ثلاثة أيام أما الموت بالباستولا فيستغرق 3 دقائق
عندما كانت فلاحة ترعى خمسة أيتام تلطم خديها لإنقطاع المياة عن القيراط الذى تستأجره لمدة أسبوع حتى تجد مالا يجعلها تأكل مياة المش المدود ... كانت باقى الفلاحات يصرخن فيها .... بارك الله فى الحكومة ، هل تريدين ماء بالباستولا ؟ عاشت الحكومة التى تحمينا ، يموت الزرع يموت الضرع نموت نموت و لا تهزمنا الباستولا ا
....
بعد شهور متواصلة من النجاحات إتصل بى رئيس الوزراء ليشكرنى على جهودى و قال
.... أرجو أن تكون مستشارا لكل الوزراء فنحن مهددون بالرحيل إذا لم نستنسخ نجاحات وزراء الصحة و الموارد المائية
قلت و إبتسامة هازئة على محياى و أنا ارقب قفص الببغاوات فى حديقة قصرى الغناء
.... لا تخش شيئا يا سيدى ... أنتم باقون ... صدقنى أنتم باقون ..... أنتم باقون يا سيدى ما بقيت ألوان تلصق بمناقير الببغاوات.!