سيدي الصادق المحقق الصرخي على نهجك يسير في تربية المجتمع
بقلم:ناصر السعيد
قال السيّد محسن الأمين-قدس سره-:
تبكي العيون بدمعها المتورِّد ***** حزناً لثاوٍ في بقيع الغرقد
تبكي العيون دماً لفقد مبرّزٍ ***** من آل أحمد مثله لم يُـفقد
أيُّ النواظر لا تفيضُ دموعُها ***** حزنا لمأتم جعفر بن محمّد
الصادق الصدِّق بحر العلم مصـ ***** باح الهدى والعالم المتهجّد
عُرف عن الإمام الصادق اطّلاعه الواسع وعلمه الغزير، حيث شهد له بذلك الأكابر من العلماء، منهم تلميذه الإمام أبو حنيفة حيث نوّه بعلم أستاذه الإمام جعفر الصادق ومقدار فضله حينما سُئل: «"من أفقه من رأيت؟" فأجاب قائلاً: "جعفر بن محمد، ......
عاش الإمام الصادق في فترة حاسمة جداً من الناحية السياسية، وهي الفترة التي تلت سقوط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية وعادة ما تعطي الدولة الجديدة هامشاً كبيراً من الحرية والتحرك، ولذا بدأ الإمام الصادق بتأسيس نواة علمية ووضع أركان مدرسته الكبرى التي خرّجت الآلاف من الطلاب والعلماء، حتى قال الحسن الوشّاء عند مروره بمسجد الكوفة:«أدركت في هذا المسجد 900 شيخ كلهم يقول: "حدثني جعفر بن محمد"»،[39] مع العلم أن بين الكوفة والمدينة - التي كانت معقل الإمام الصادق - مسافة شاسعة وهذا يدل على مدى التأثير العلمي الذي أحدثه الإمام جعفر الصادق في ربوع العالم الإسلامي. وهكذا فحينما ارتفع الضغط الذي كان يمارسه الأمويون على مدرسة الإمام بدأ الطلاب يتوافدون على مدرسته من كل حدبٍ وصوبٍ وقد كتبت أقلام كثيرة حول علم الإمام الصادق، وخصّصت كتباً وفصولاً حول ذلك، منها كتاب "الإمام الصادق" للشيخ محمد أبي زهرة الذي يقول فيه:
إن للإمام الصادق فضل السبق، وله على الأكابر فضل خاص، فقد كان أبو حنيفة يروي عنه، ويراه أعلم الناس باختلاف الناس، وأوسع الفقهاء إحاطة، وكان الإمام مالك يختلف إليه دارساً راوياً، وكان له فضل الأستاذية على أبي حنيفة فحسبه ذلك فضلاً. وهو فوق هذا حفيد علي زين العابدين الذي كان سيّد أهل المدينة في عصره فضلاً وشرفاً وديناً وعلماً، وقد تتلمذ له ابن شهاب الزهري، وكثير من التابعين، وهو ابن محمد الباقر الذي بقر العلم ووصل إلى لبابه، فهو ممن جعل الله له الشرف الذاتي والشرف الإضافي بكريم النسب، والقرابة الهاشمية، والعترة المحمدية[41]
ويدخل في هذا السياق مناظراته العلمية والدينية التي دلّت على علمٍ جمٍ وفضلٍ غزيرٍ، فقد كان للإمام جعفر الصادق كثير من المناظرات مع العلماء وغيرهم في الدين والعلوم الإنسانية المختلفة، وقد اتّبع الإمام الصادق منهجاً منطقياً تسلسلياً في المناظرة والنقاش وهو أسلوب علمي يُبرز مكانته العلمية وقدرته على استحضار كافة جوانب الموضوع وحضور البديهة في الرد، وكان من الطبيعي أن يتعرض شخص بهذا المستوى الكبير من الفهم والعلم والمكانة لأسئلة المستفسرين وإنكار الملحدين ومكابرة كثير من الفئات المتأثرة بالعلوم المستقدمة من هنا وهناك، ومن تلك المناظرات:
• مناظرة الإمام جعفر الصادق مع الملحدين.
• مناظرة الإمام جعفر الصادق مع أبي حنيفة في القياس وأخر في حكم التوسل بالنبي
• مناظرة الإمام جعفر الصادق مع رؤساء المعتزلة.
• مناظرة الإمام جعفر الصادق مع طبيب هندي.
• مناظرة الإمام جعفر الصادق مع الزنادقة.
• مناظرة الإمام جعفر الصادق مع ابن أبي العوجاء.
• مناظرة الإمام جعفر الصادق في الحكمة من الغيبة.
• مدرسةٌ أنت سيدي الصادق، تخرّج فيها الأعلام........
أيّها الصادق، لجهدِكَ جُزيت خيرًا عن الإسلام، يا بن خاتم الرسل محمدٍ سيّد الأنام، بكَ العلم سما وارتقى وأماط عن الجهلِ اللثام، قارعتَ فخرًا أهلَ العناد وأوضحتَ الحقّ نورًا يشعّ عبر الأعوام، أستاذًا عهدناك قرّتْ عينُ الرسول بك بالإفهام، مدرسةٌ أنت سيدي، تخرّج فيها الأعلام، أسستَ بنيانًا لحوزةٍ شريفةٍ ترعرع فيها العلم والسلام، يا قمرُ بزغ في أفقِ النبوّة المحمدية بالتمام، بفقدكَ نعزّي الأكرمَ من الرسل مسكهم في الختام، وأهل بيته وصحبه الميامين الكرام، لاسيّما المهديّ منقذ البشرية عند القيام، ونعزّي أمة الإسلام، والعلماء الصادقين العاملين، وفي مقدّمتهم السائر على نهجك الأستاذ الصرخي قاهر مارقة الدين اللئام.