ثورة العراق.. و«الاتجاه المعاكس»: سلامي الحار للأمر الواقع!
«الدهن في العتاقي»، وقد نجح برنامج «الاتجاه المعاكس» في أن يكون حديث الناس، وان يفرض بما حدث في حلقته الأخيرة نفسه على الجلسات الخاصة!
قبل سنوات، كتبت مشيداً بحلقة من البرنامج، وإذا بمعلق متربص يعلن أن سبب الكتابة بايجابية عنه هو تسول لدعوة لأن أحل عليه ضيفاً، مع أن المشاركة الأولى كانت بعد مقالات عنيفة ضد البرنامج. وعليه فقد أعلنت قراري الذي يشبه قرار عبد الناصر بالتنحي، بعدم المشاركة فيه. ولم يكن هذا خضوعاً لابتزاز معلق وحسب، ولكن لأن طبيعة البرنامج تحتاج أن يحتشد المرء قبل المشاركة، وأن يقوم بإيقاظ خلاياه النائمة، وقد هرمنا، ولم تعد لدينا القدرة على هذا الاحتشاد، الذي يصلح له الشباب، الذين يذهبون لأشغالهم من النجمة، ويقودون الدراجة على لحوم بطونهم!
ربما لم ينتبه القوم في «الاتجاه المعاكس» لقراري المكتوب، فاتصل بي أحدهم يدعونني ضيفاً واعتذرت، ولفت انتباهه إلى القرار التاريخي، لا سيما وأنه باتخاذه، لم تخرج الجماهير لتحثني على عدم التنحي. إن شئت الدقة فان أحداً لم ينصحني بخطأ قراري، ربما لأن أحداً لم يتعامل معه بالجدية اللازمة، فمن هذا الذي يمكنه أن يتلق دعوة للمشاركة في البرنامج التلفزيوني الأكثر شهرة، ثم يعتذر؟! فأردت أن أقول لهم: أنا. سيراً على طبيعتي: من بإمكانه أن يقترب من رحاب الرائد متقاعد صفوت الشريف ولو بشطر كلمة؟ أنا. من يجرؤ على الهجوم على الرجل القوي في نظام المخلوع حبيب العادلي: أنا.
أحياناً كنت أظن أنه بمقدوري أن أمهد الطريق لغيري، لكسر شوكة هؤلاء، لأكتشف في النهاية أنني وحدي!
ولا أظن أنني خسرت كثيراً بقراري بعدم المشاركة في «الاتجاه المعاكس»، ففي المرات الثلاث التي شاركت فيها، وكان أخرها في سنة 2006، اكتشفت أن المشاركة مسؤولية كبرى، عندما يتم التعامل مع المرء على طريقة احتشاد القبائل خلف فتاها في طريقه لساحة الوغى، عندما تصمت الألسنة، وتنطق الأسنة، وتخطب السيوف على منابر الرقاب.
ولعل ما حدث في الحلقة الأخيرة مرده إلى حالة الاحتشاد المبكر، وأحدهما كانت أعصابه مرهقة من جراء ذلك، فانهار لتكون النهاية الأليمة، التي انتهت بإخراجه من الأستوديو، بعد أن تحول إلى ثور هائج، كاد أن يفتك بالضيف الآخر، الذي بدا كما لو كان يضع يده في الماء البارد، فلم يغضب سوى في اللحظة التي قذف بها الآخر بموبايله، ثم عاد سيرته الأولى، واضعاً يده في الماء البارد، هادئاً مطمئناً رغم محاولات فيصل القاسم لشحذ همته.
موضوع الحلقة كان مهماً، ذلك بأنها كانت عن الحالة العراقية، التي فاجأت الجميع، بينما أبصار الناس منصرفة نحو ما يحدث في بلدان الربيع العربي، ومن مصر إلى ليبيا، وبدرجة ما إلى تونس. وهذه البلدان تدفع ثمن البداية الخاطئة للربيع العربي، مما كان سبباً في تعرضها للحصار والتآمر من قبل البلدان التي كان ينبغي أن يبدأ بها الربيع، وهي تناصر الاستعمار القديم، الذي غادر المستعمرات للنخبة الحاكمة التي صنعها على عينه، لتزداد هذه المستعمرات تبعية وضعفاً كما لو كانت لا تزال خاضعة للاستعمار المباشر.
ولهم في ذلك مآرب أخرى. فالبلاد العربية المتآمرة على الربيع العربي، خشيت من عدوى الثورات التي تطيح بالعروش، التي هي على جرف حاد، فكان لابد من تحويل بلدان الربيع إلى نموذج في الفشل، لا يتمناه الناس لأوطانهم.
« داعش والغبراء»
إذ فجأة سمعنا عن أن حركة دينية متطرفة، تنجح على قلة عددها في أن تحقق انتصارات على الأرض في العراق، وكأنها تعمل بالسحر، فالجيش العراقي ينهار أمامها ويولي الدبر، بما مكنها من السيطرة على مدن كثيرة.
ولم تستطع الفضائيات أن تواكب هذه المفاجأة وتقدم لمشاهديها ما يشفي الغليل من معلومات حول ما يحدث. ولأن فضائيات بعينها تعمل في مخطط إفشال الربيع العربي، وقد رأت انتصاراً في العراق، فقد نسبت الأمر كله لحركة «داعش»، وإعادة إنتاج تطرفها في أيام غبراء. ومن خلال ما طالعنا فهي حركة تكفر الجميع، بمن في ذلك الرئيس محمد مرسي. في خطة تستهدف، ألا يكون ما حدث سبباً في استنهاض الهمم في مصر، وان تمثل هذه الانتصارات المفاجئة دفعة للثوار في المحروسة.
بالنظرة الضيفة للأمور، فما يحدث على الأرض العراقية هو صراع بين السنة والشيعة. وإذا بدول سنية عربية تتدخل منحازة لسلطة نوري المالكي، وهي التي احتلت مكانتها بتأجيج الخلاف الذي أنتج الفتنة الكبرى، بالنفخ فيه وكأنه حصل اليوم، وهي تقدم نفسها على أنها تمثل أهل السنة والجماعة. ومثلي لا يستبعد شيئاً فهذه الدول نراها في كل المعارك منحازة ضد السنة، كما هو حاصل في اليمن، من خلال دعمها للحوثيين الآن. واحدى هذه الدول تتعجب عندما تعلم أنها ساعدت صربيا، في حربها ضد الإسلام والمسلمين.
وفي فضائيات الثورة المضادة في مصر، شاهدنا وصلة من وصلات الردح، وصفحة من صفحات الجهل النشط، فالاتجاه العام سار في اتجاه أن ما يحدث هو بين حركة «داعش» ودولة العراق. وأحد مقدمي البرامج قال إن «داعش» إخوانية. ولا بأس فزميل له قال من قبل إن الإخوان هم سبب هزيمة المسلمين في الأندلس. وسيدهم السيسي تحدث عن معاناة الغرب على يد الإسلام السياسي لقرون طويلة!
لا يدري المذيع الهمام أنه يقدم بذلك دعاية مجانية للإخوان، فها هي حركة تتبعهم تحقق هذه الانتصارات على أرض العراق، مما يعطي الإخوان في مصر شحنة حماس مضافة.
« مسافة السكة»
كان واضحاً منذ البداية، أن موقف سلطة الانقلاب في مصر منحاز للسلطة في العراق التي يمثلها نوري المالكي. وقد قدم الانقلابيون «عربون محبة» بأن منعوا ثلاث قنوات عراقية من البث عبر القمر المصري «نايل سات»، وهي في الأصل تبث من القاهرة، ومن مدينة الإنتاج الإعلامي، منحازة للثورة العراقية، وهي قنوات: «الحدث، والرافدين، والبغدادية».
وقد انتظرت من مصر في عهد عبد الفتاح السيسي ألا تتوقف نصرتها لدولة العراق على مجرد وقف بث فضائيات، وإنما يتم تفعيل وعد «مسافة السكة»، الذي قطعه عبد الفتاح السيسي على نفسه أكثر من مرة، بأن أي دولة عربية تتعرض للخطر، فمسافة السكة سيكون الجيش المصري هناك!
لأن «الاتجاه المعاكس» يقوم على فكرة «الرأي والرأي الآخر»، فقد شددت اليه الرحال. في البداية عبر الراديو، قبل أن أكمل بالمشاهدة عبر التلفزيون. وهنا في الدوحة، تُبث «الجزيرة» عبر الراديو، ليعيد المتابع اكتشاف قوة أصوات مذيعيها، وهي تقوم بتفعيل حاسة السمع لدى المستمع، التي كدنا أن نفقدها بعد زمن «هنا لندن.. هيئة الإذاعة البريطانية.. أيوب صديق، أو محمد الأزرق». أين أيوب صديق وأين محمد الأزرق؟
«الجيش العراقي»
ما علينا، فقد بدت لي حلقة «الاتجاه المعاكس» مفيدة من حيث المعلومات، وان كان ممثل المالكي فيها سعى لجلب خطاب الثورة المضادة في مصر، عندما تحدث عن أن الفرحين بالهزيمة التي جرت هم ضد الجيش العراقي. ودافع الضيف الآخر عن مكانة الجيش العراقي في قلوب العراقيين، دون اطلاعنا على طبيعة هذا الجيش الآن، وهل هو الجيش الذي أسسه صدام حسين مثلاً وقام بغزو الكويت وخاض حرباً ضروساً ضد إيران؟
معلوماتي أن هذا الجيش تم حله، وأن ما تم تشكيله هو جيش المنتصر، الذي جاء للسلطة عبر الدبابات الأمريكية ويعد نموذجاً في الطائفية المقيتة!
وبعيداً عن الخطاب الدبلوماسي فقد كان واضحاً ان ممثل المالكي يريد أن يصدر خطاباً بان المعركة مع حركة «داعش» وما عرف منها من تطرف، في حين أن الضيف الآخر أصر على أنها الثورة، وان داعش فصيل تحت هذا العنوان، وليست عنواناً لوحدها لما يجري.
بعد هذه الفقرة كانت الحرب، وفضلاً عن عملية الحشد النفسي، التي كانت سبباً في انفلات الأعصاب، فقد كانت المشكلة في أن كلا منهما دخل بحالته للأستوديو، وهي الحالة التي جاء بها من خارجه. فممثل الثورة جاء منتصراً قبل أن يتكلم، والآخر جاء مهزوماً قبل المناظرة. فلم يهتم الأول بالرد على كلام الثاني وهو المنتصر، وكان الثاني له حجة لكنه مهزوم في قرارة نفسه، فاحتد على فيصل القاسم وكان ثائراً، فلم انتبه إلى ما يقول وان انصب اهتمامي بأنه سيموت حتماً الآن بالسكتة القلبية!
وفي مواجهة هذه الحدة، التي كانت من أحد الضيوف في مواجهة مقدم البرنامج، بدا الضيف المنحاز للثورة ليس مشغولاً بشيء، وأنه ليس جزءاً من الموضوع فقد دخل الأستوديو منتصراً، ومن يشايعهم يكادون أن يحرروا العراق كله.
ذكرني في صمته وحالة اللا مبالاة، بمثل صعيدي دارج: «جاءوا ليساعدوه في حفر قبر أبيه.. اخذ فأسه وغادر». وربما استشعر هو بعد طول صمت ذلك فتكلم، وكأن الثور الهائج كان ينتظر هذه اللحظة، فترك القاسم وانشغل به.. وكان ما كان!
عموماً فبعد ان استوعبنا المفاجأة وقفنا على ان ما يحدث في العراق هو الثورة، و«داعش» ليست أكثر من فصيل فيها.. وما يحدث درس بليغ على ان الشعوب العربية لن تخضع لحكومات صنعها الاحتلال.
المهم، فبالمعايير الخاصة بـ»الاتجاه المعاكس»، فقد نجحت الحلقة واثبت فيصل القاسم أنه قادر على الاستمرار. وقد شاهد الجميع هزيمة الطرف الآخر.. الذي هزم نفسه بصراحة لأنه جاء للأستوديو مهزوما وقبل ان يتكلم!
أرجو أن تبلغوا تحياتي الحارة للأمر الواقع.
صحافي من مصر
selimazouz@gmail.com
#مكملين #احنا_متراقبين #ارحل_يا_عرص #مرسى_رئيسى #كلنا_مسلمين #شبكة_صوت_الحرية