ومضة إيمانية -
ومن عجائب القلب البديل
ما كتبته جريدة ديلي ميل من قصة شاب كان انتحر بمسدس في رأسه بسبب الإلحاد، والكفر بالله، فأخذوا قلبه وزرعوه لمريضٍ مؤمن كان يفعل الخير، فإذا بالشاب الذي زُرع له قلب مُلحد يصير مُلحداً، ولم يعد مؤمناً، والأعجب أنه انتحر بذات الطريق التي انتحر بها صاحب القلب الأصلي. وقبل الانتحار، كان الأطباء قد دبروا له لقاء مع أرملة صاحب القلب الأصلي، دون إخباره، وللمفاجأة أنه قال لهم أنه يعرف هذه المرأة منذ زمن بعيد، مع أنها لم تره قبل ذلك.
ومن العجائب أيضاً، ومما دونه الأطباء في سجلاتهم، أن رجلاً مريضاً نُقل إليه قلب مُصاب أشرف على الهلاك، فكان يرى كابوساً مُزعجاً مُتكرراً، أنه يقتل شخصاً ويدفنه في مكان معين، ولما ضاق ذرعاً بهذه الكوابيس، أبلغ الأطباء، فعرضوا هذه الكوابيس عل البوليس، وطلبوا منه تحري الأمر، وقد تبين أن الشخص الذي نُقل منه القلب كان قبل الحادث قد ارتكب جريمة قتل، وأخفى جثة القتيل في ذات المكان الذي أرشد عنه المريض الذي زُرع له قلب القاتل.
ومن جماع كل ذلك استيقن العلماء أن هذه المضخة الرهيبة التي ركبها الله في خلقه ليست مجرد مضخة تضخ الدم وحسب، بل هي ذات أثر بعيد، وفي كل العمليات العقلية والعواطف والمشاعر والأحاسيس، إنها تؤدي دور الملك الذي يُديرُ دولة الأعضاء .. إن صَلُح صلحت، وإن فسد فسدت، كما قال – صلى الله عليه وسلم.
ومن العجيب أيضاً، أن مركز الكذب يقع في الناصية (مقدمة الرأس)، وقد تمكن العلماء من تسجيل نشاطها عندما يكذب الإنسان، وتأكد العلماء أن الإنسان عندما يكذب، فإنه يكذب بلسانه، ويقول عكس ما يختزنه قلبه، فاللسان يتحرك بأمر من الناصية ليقول خلاف ما في القلب، وصدق الله حيث قال: "يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم" الفتح/11. وقال جل في علاه: "يَا أَيُّهَا الرَّسُوْلُ لاَ يَحْزُنْكَ الَّذِيْنَ يُسَارِعُوْنَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِيْنَ قَالُوْا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوْبُهُمْ وَمِنَ الَّذِيْنَ هَادُوْا سَمَّاعُوْنَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُوْنَ لِقَوْمٍ آخَرِيْنَ لَمْ يَأْتُوْكَ يُحَرِّفُوْنَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُوْلُوْنَ إِنْ أُوْتِيْتُمْ هَذَا فَخُذُوْهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوْا وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ الَّذِيْنَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوْبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيْمٌ." المائدة/41، ومما قال سبحانه وتعالى عن المنافقين: "ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون " المنافقون/3، ومن لطائف إشارات القرآن قوله تعالى: "مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (الأحزاب/4). فالآية الكريمة تُفيد بأن القلب لا يجمع بين المُتناقضات، فالذي فيه إما إيمان وإما كفر، وكذلك الزوجة زوجة والأم أم، وأن الله لم يجعل الأدعياء أبناء .. كل ذلك تأباه القلوب، وتقوله الألسنة بأمرٍ من الناصية. قال تعالى: "كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ" العلق 15-16.
ومن الجدير بالذكر أن الله تعالى قال أنه لم يجعل لرجل من قلبين في جوفه، ذلك أن المرأة، وبشكل عارض، وفي توقيت من التوقيتات يكون في جوفها مؤقتاً قلبٌ آخر هو قلب الجنين، وعلى أية حال، فإن الأطباء أجمعوا أنه من المُستحيل أن يكون لأي منا قلبين في جوفه، نظراً لمركزية القلب، واضطلاعه بإدارة الجسم، بل حتى في التشوهات الخلقية، وفي حالة الالتصاق لا نجد ذلك، ولم تدونه سجلات الأطباء لا قديماً ولا حديثاً.
وبالجملة، فإن جميع أعمال القلوب التي ذكرها القرآن (أن القلب مركز الإيمان، التفقه والإدراك، والتعقل والبصيرة والسمع، والعواطف والمشاعر والأحاسيس) .. كل ذلك انتهى إليه الآن، ومنذ سنوات أهل الاختصاص بعد عمليات زراعة ونقل قلب بديل.
وختاماً .. أرجوك أن تحرص على تَفَقُّد قلبك، وتنقيته من أمراض الحقد والحسد والغش، وعمره بالإيمان، وذكر الله الذي به تطمئن القلوب، فإن القلب الذي لا يذكر الله يكون كالبيت الخرب كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم. ولا يفوتنك استعمال دواء القلب، إن الأطباء يقولون أن الصوت الحسن، والكلم الطيب الذي يشع بالموسيقا الداخلية هو أعظم دواء للقلب، وبالتالي للجسم، حيث ثبت أنه يرفع كفاءة جهاز المناعة ومقاومة الأمراض، وصدق الله حيث قال: "وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا" الإسراء/82، " الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد" (الزمر/23).
وإلى لقاءٍ في ومضةٍ إيمانية أخرى بإذنه تعالى ..