اخر الاخبار

الثلاثاء , 2 يونيو , 2015


بقلم : مهندس / محمود صقر
30/5/2015
العلمانيون العرب .. بين الرأس والقبعة
ما عانيناه من أدعياء العلمانية في بلادنا من تناقض تام بين أفعالهم وشعاراتهم ، يستدعي التأمل في فك شفرة هذه العقلية.
وهذا المقال محاولة في هذا الشأن .
(وأعتذر مقدماً عن التعميم الذي قد ينال بعض النماذج الشاذة عن الأصل العام، وأدعوهم إلي إثبات تمسكهم بالمبادئ العلمانية.)
أتصور العقل العلماني العربي مركباً من قبعة غربية على رأس شرقي.
القبعة الغربية تشكل نسيجها من عُقَد أبرزها عقدة الدين.
فالدين في العقلية الغربية شكلته الأساطير اليونانية على أنه صراع بين عالم الآلهة وعالم الناس ،
صراع بين الإله " زيوس " ونظيره " بروميثيوس " ،
" زيوس " يكتشف أن " بروميثيوس " خطف سر النار وأهداه إلى بني البشر وفتح لهم طريقاً للنور والمعرفة والخير ، فكان جزاؤه الصلب وترك جسده تنهشه الطيور الجارحة ،
ثم جاءت كنيسة العصور الوسطى لتمارس نفس الدور ضد عالم الإنسان فتحرمه المعرفة والعلم ، وتقيم المحاكم لمن يخرج عن التفسير الكوني للكنيسة .
ورأي الإنسان الغربي المعدم المحروم " بابا الكنيسة" بصولجانه وقلنسوته وتاجه الذهبي وحاشيته وملكوته ، يدعوه إلى الفقر والحرمان انتظاراً للجنة الموعودة للفقراء والمحرومين .!!
إذاً ما الفرق بين الإله الذي تبشر به الكنيسة وبين " زيوس " ؟!
والعقدة الثانية هي عالمية البابا التي طغت على الوطنية والقومية للأجناس الأوربية ، بل وفرضت اللغة اللاتينية كلغة مقدسة .
والعقدة الثالثة هي عقدة المرأة التي بدأت من أسطورة " باندورا" الإغريقية ، وتأصلت كأسطورة دينية جعلت "حواء" هي سبب خروج "آدم" من الجنة ، وتطورت لأبحاث لاهوتية وممارسات كنسية شاذة.
هذه العقد شكلت نسيج العقل الغربي الذي لبس قبعته العلماني العربي .
وليت العلماني العربي انتفع بهذا النسيج الذي أثمر في موطنه حرية وديمقراطية وعدالة ومساواة .
ولكن المأساة أنه احتفظ تحت هذه القبعة برأس حوى أسوأ مافي الموروث الشرقي من ديكتاتورية وعنصرية وتمييز وإقصاء وضيق بالرأي الآخر.
فأنتج لنا هذا الخليط العجيب من عُقد العقلية الغربية ضد الدين وأسوأ مافي موروثات العقل الشرقي.
فالعقل العلماني العربي يعاني من انفصام بين القبعة والرأس أنبتت أمراضاً نفسية ، رأينا آثارها في هذا الكره المتأصل تجاه من يخالفه في الرأي ممن يرى أن الإسلام يختلف عن غيره في أنه دين للأَحياء والحياة، وليس فقط ديناً للأموات والآخرة.
وتفرع عن هذا الكُره تخليه عن كل المبادئ العلمانية الغربية، ومارس ضد خصومه أبشع أنواع التمييز والإقصاء.
إنه حقاً مرض نفسي ناشئ عن صراع بين القبعة والرأس ، ولك أن تتخيل مدى تأصل هذا المرض النفسي في سلوكه وموقفه تجاه من يراجعون مواقفهم من أساتذة العلمانيين أنفسهم ، فتجد مقالاً في الأهرام بعنوان " أسلمة طه حسين " يلطم فيه الكاتب العلماني ويصرخ ضد تلك الدراسات التي تثبت التحولات الفكرية لطه حسين في أخريات حياته.!!
وتجد " غالي شكري" يكيل الاتهامات والتسفيه للدكتور " زكي نجيب محمود " لمجرد أنه كتب كتاباً أسماه " الشرق الفنان" ينصف به الشرق بعض الإنصاف.!!
نحن قصرنا حديثنا علي الشق الليبرالي من العلمانيين العرب، أما الشق اليساري، فهؤلاء قبعتهم ملؤها العقارب والثعابين السامة، تجيد حبك المؤامرات وفنون التجسس ونفث سموم الحقد والكراهية أينما حلوا.
ومن عجيب الأكدار فيما حولنا من أمصار، أن هذه العقلية لغلاة العلمانيين هي التي تتحدث عن التطرف الإسلامي والإرهاب الإسلامي ، بل وتتصدر مشهد تجديد الخطاب الإسلامي ؟!!!
وعليه فمن الواجب أن نطالب بضرورة تجديد وإعادة تأهيل وتشغيل العقل العلماني.


القراء 858

التعليقات


خريطة الموقع


2024 - شبكة صوت الحرية Email Web Master: admin@egyvoice.net