بقلم : مهندس / محمود صقر
1/8/2015
بداية التغيير من المجتمع أم النظام .؟
شعب واحد يفصله نظامان سياسيان مختلفان ، جعلا من كل شعب يعيش في عالم مختلف .
ألمانيا الغربية وألمانيا الشرقية .
تحولت ألمانيا الشرقية المحتلة من روسيا بعد الحرب العالمية الثانية إلى النظام الشيوعي بكل سماته الديكتاتورية، وسمي نفسه "ألمانيا الديموقراطية"!!، وسلط أجهزة دعايته ضد ألمانيا الغربية واصفاً إياها بالدولة "الفاشية"!!
وشأنه شأن كل نظام فاسد جمع حوله مجموعة من المنتفعين واستمال بدعايته طائفة من الشعب، وظلت أشواق الحرية تدفع طائفة أخري للفرار من جحيم الديكتاتورية، وفي خلال عشر سنوات هاجر من ألمانيا الشرقية إلى ألمانيا الغربية ثلاثة ملايين معظمهم من المتعلمين الأكفاء ، أحس النظام الشرقي بالخطر من تفريغ البلاد من كفاءاتها، وبصفته نظام ديكتاتوري منغلق ، بدلاً من أن يفكر في تطوير نظامه السياسي وتخفيف قبضته عن المواطنين، أنشأ سوراً ليسجن خلفه أبناء ألمانيا الشرقية.
وفي خلال الفترة من إنشائه عام 1961 وهدمه في عام 1989 قُتل برصاص جنود الحدود المئات ممن حاولوا الهرب ، فضلاً عن آلاف المقبوض عليهم بتهمة الخيانة ومحاولة الهرب إلى دولة معادية.
ومازال في حاضرنا مثل قائم في كوريا الشمالية والجنوبية،
شعب واحد يعيش عالمين مختلفين تماماً ، والسبب ليس اختلاف ثقافات ولا كفاءات ولا موارد ، السبب هو:"النظام السياسي".
ويبقي السؤال الكبير: هل الإصلاح يبدأ من المجتمع أم من نظام الحكم.؟
لاشك أنه سؤال يحصر المفكر في دائرة أشبه بدائرة البيضة والدجاجة وأيهما أولاً.
فإن قال قائل: إن الإصلاح يبدأ من المجتمع مستنداً إلي الحكمة القائلة :"كيفما تكونوا يولي عليكم."
فإن ما صارت تملكه الدول من سيطرة علي أدوات التوجيه والتأثير من مؤسسات ثقافية وتعليمية وإعلامية وفنية، يجعلنا نقول أيضاً بثقة: "كيفما يولي عليكم تكونوا." أو كما كان الأقدمون يقولون: "الناس علي دين ملوكهم."
فكل التجارب حولنا تقول: إن النظام السياسي هو عنصر أساسي مؤثر في سلوك الشعب وثقافته فضلاً عن رقيه واستقراره.
ويبقي سؤال آخر مهم: كيف يمكن أن يتغير نظام فاسد أثر بفساده في إفساد قطاع كبير من الشعب.؟؟
ولمحاولة الإجابة نعود للنموذج الألماني.
فقد كان مجتمعاً يحمل الصفات المشتركة لأي مجتمع تحت الحكم الديكتاتوري، طائفة من المنتفعين والفاسدين والوصوليين ، وطائفة كبيرة من الصامتين والهامشيين، وقلة من المعارضين المضطهدين، وفجأة عام 1989 يعلن عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي أثناء حوار إعلامي -عن طريق الخطأ- أن قيود التنقل بين الألمانيتين قد رُفعت .
كان هذا التصريح بمثابة الثقب الذي ثقب جدار الخوف والقهر ، فانطلقت أشواق الحرية المكبوتة في صدور مقهورة، وتوافد المواطنون بتلقائية على جانبي الجدار ، وبدأوا يهدمونه بما تيسر في أيديهم ، وانهار الجدار وانهار معه النظام، بدون إراقة قطرة دم واحدة.
وأصبح الشعب الألماني الذي كانت تلك صفاته، هو الشعب الذي يراه الكثير شعباً نموذجياً، في ظل نظام سياسي رشيد.
والعجيب أيضاً أن بعدها بسنوات كان الأخ الأكبر " الاتحاد السوفيتي " ينال نفس المصير، وفجأة، وبلا مقدمات، ودون إراقة قطرة دم واحدة .
لا نقول من وراء هذا المثل انتظروا المعجزة، أو انتظروا الصدفة السعيدة لإسقاط نظام ديكتاتوري.
فبجانب هذا المثل هناك أمثلة دموية مثل نهاية نظام مشابه في رومانيا.
ولكن تظل هناك سمة مشتركة لكل النظم الديكتاتورية وهو انهيارها المفاجئ دون مقدمات، فطاقة الغضب مكبوتة تحت غلاف مزيف من الهدوء، ويبدو ظاهر الدولة هادئاً وعلى ما يرام حتى أول ثقب في جدار الصمت والخوف .
وهناك يد الله تعمل في الخفاء، وبيده وحده هلاك الظالمين كيفما شاء ووقتما شاء.
نعود ونقول: إن الشعوب قابلة للتغيير وبسرعة فائقة إذا توفر لها نظام سياسي رشيد.
فإذا رأيت بلداً غارقاً في الجهل والمرض والتخلف، ويعاني من أمراض اجتماعية مهلكة، برغم ما يمتلكه من موارد بشرية وطبيعية وتجانس اجتماعي.
" ابحث عن النظام السياسي " قياساً علي قول الفرنسيين (cherche la femme) " ابحث عن المرأة "