اخر الاخبار

الأحد , 26 يوليه , 2015


بقلم : مهندس / محمود صقر
25/7/2015
يا طالع الشجرة

يا طالع الشجرة ... هات لي معك بقرة ... تحلب وتسقيني ... بالمعلقة الصيني ..........
موال شعبي من مواطن مسترخٍ تحت ظل شجرة ، مشبكاً كفيه خلف قفاه ، شاخصاً ببصره لأعلى ، حالماً بشرب اللبن ، متوهماً صعود البقرة إلى الشجرة ، منتظراً من يصعد الشجرة ليحلب البقرة ، ثم يسقيه سقيا " المزمزة والرواقان " بالملعقة .
وليست الملعقة من صنعه أو صنع بلاده .. إنها من هناك .. من البلاد البعيدة .. من الصين .
هل رأيتم وهماً ممزوجاً بالدعة والكسل أكثر من هذا .؟! والأكثر أن ينال استحسان العامة ويتناقله جيلاً عن جيل.!!
الموروث الشعبي من أشعار وأزجال وأمثال وقصص ... هي جزء أصيل من ثقافة الشعب ، ولذا وجب على كل مفكر ومصلح أن يدقق النظر في هذا الموروث الثقافي الشعبي ، لما له من تأثير بالغ في أي حركة للتغيير والإصلاح .
وقبل أن نخرج من هذا النموذج الشعبي ننتقل إلي صدمة أخرى ، تمالك أعصابك وأنت تقرأها.
نقلاً عن جريدة المحروسة في عددها 2655 بتاريخ 14/11/1917 [ في حفلة عرس لأحد أثرياء مصر حضره نفر من ذوي المقامات والأجانب ، أبدع المغني الراحل " يوسف المنيلاوي " وأطرب ، وأخذ سامعوه في استعادته حتى ظل في الدور الواحد نحو " ساعتين" فلحظ ذلك أحد كبراء الأجانب وسأل جاره المصري عن معنى ما يقوله المغني .
فأجاب : إنه يقول : " حبيبي شوفوه لي يا ناس " .!!
فتعجب الأوربي وقال :" ألهذا الحد بلغ به الكسل أن يعهد لسواه كل شيء حتى البحث عن حبيبه .!! .... وهل الرأي العام يقره على هذا الكسل ويبدي كل هذا الاستحسان.؟!!! ]
فعلاً شيء مستنفر جداً .
الأديب الراحل " توفيق الحكيم " أنشأ مسرحية " يا طالع الشجرة " من وحي هذا الموال حيث تنتمي مسرحيته إلى مسرح " اللامعقول " الذي يحمل بعض من صفات مسرح " العبث " الذي كان منتشراً في أوربا مطلع ومنتصف القرن العشرين .
نعود إلي هذا الداء المتأصل في شريحة من ركاب قطار وطن يحاول التحرك نحو التغيير، فهذه النوعية من الركاب لا أمل لهم في التغيير أصلاً ، وحين حركت ثورة يناير عجلات القاطرة ، استبشروا بشرب الحليب ، ولما صُدموا بأن البقرة لا تصعد الشجرة ، .. وأن الطريق للشرب و" المزمزة " يمر عبر استقلال الإرادة وصناعة الدواء وزراعة الغذاء ولا يمر عبر "المعلقة الصيني" ، .. عادوا سراعاً إلى القاطرة التي تدور بهم في حركة دائرية كقطارات الأطفال.
الحقيقة التي يهرب منها الناس أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تصبح قوة عظمى إلا على جثث وأشلاء وخراب الحرب الأهلية في سبيل الوحدة .
وأوروبا المتحضرة المزدهرة لم تصبح كذلك إلا عبر ثلاث عقود من الثورات والثورات المضادة وصولاً لدمار شامل في حربيين عالميتين .
نحن لانطلب ذلك ولايتمناه أحد.
ويبقي السؤال : هل الشعوب تتغير .؟
إعلم ياعزيزي: أنه ليس هناك جينات متوارثة في شعب من الشعوب ، بل هي دورات تقدم وتدهور ، فالشعب المصري الذي انتج هذا الموروث الثقافي في طور التدهور ، هو ذاته الذي أقام أعظم صروح البناء في تاريخ البشرية ، وهو الذي أعجز العالم حتى الآن بما وصل إليه من طب وفن وعلوم، وهو الذي قاد الأمة الإسلامية في الانتصار علي المغول والصليبيين.
كلنا ياعزيزي نحب أن نعيش في وطن الحرية والرفاه والتقدم.
ولكن..، منا من ينتظر من يصعد الشجرة.. ويأتي بالبقرة.. يحلب ويسقيه.. بالمعلقة الصيني.
ومنا من يغني:"حبيبي شوفوه لي ياناس".
ومنا من يهرب من حقيقة أن النظام الذي تسبب في الجهل والفقر خلال ستة عقود، لن يأتي بالحليب، إلا إذا صعدت البقرة إلي أعلي الشجرة.!!!


القراء 960

التعليقات


خريطة الموقع


2024 - شبكة صوت الحرية Email Web Master: admin@egyvoice.net