اخر الاخبار

الأحد , 20 سبتمبر , 2015


بقلم : مهندس / محمود صقر
20/09/2015
دروس ثورية من الحج.
نحن هنا أمام شعيرة تؤسس لتغيير جذري في حياة مقيم الشعيرة، فلا الوطن موطنه، ولا اللباس هو ما اعتاد عليه، ولا مواعيد النوم والاستيقاظ، ولا البيت ولا السرير ولا الزوجة والأولاد، أنت هنا تعيش في العراء، وتنام على الأرض، وتخالط من لم يسبق لك معرفته...إنه يجبرك حتى على تغيير أنفاسك، فالتطيب بالعطر هنا ممنوع.!!!!
إنه ابتداءً ثورة على المألوف من عادات الحياة الرتيبة التي تأسر الإنسان في ثوبها، وتقيده في إطارها.
أنت هنا في مكان غير تقليدي بالمرة لأداء العبادة..، فأنت هنا لست في مسجد ولا معبد ولا دير ولا كنيسة...
أنت هنا في ساحة جهاد، وأنت فيها قطرة في بحر، ولا قيمة لك سوى أنك قطرة في هذا البحر ، فإن تضخمت ذاتك، وغلبتك حظوظ نفسك، وشعرت أنك قطرة الندى الجميلة على ورق الورد، فستمحوك شمس الصباح، وستكمل قطرات البحر مسيرها، وتتركك تتبخر وحدك.
أنت جندي في جيش بلا قائد، فكل جنوده قادة، فالكل هنا متشابهون بلا تمايز في الرتب، لأن القيادة هنا هي وحدة الهدف ووضوح الغاية والقصد، فالكل يتحرك وفق تعليمات واضحة صريحة دقيقة، الكل يعرفها قبل البدء في الحركة.
هذا الجيش يتزود بالزاد الروحي نهاراً في عرفات، وليلاً في المشعر الحرام، ينتظر شروق الشمس لتبدأ ساعة الصفر المحددة لمواجهة العدو -الشيطان- حيث التحرك لرمي الجمرات.
وقبل البدء في المعركة يحتفل الجيش بالعيد، وكأنه يحتفل بالنصر قبل دخول المعركة.
وياله من مغزى ومعنى يتسق مع فلسفة النصر والهزيمة في الإسلام، فالنصر يتحقق بمجرد الإرادة والاستعداد -وفق الوسع- لمواجهة الباطل ( ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ...).
أو بتعبير "تولستوي" في روايته الحرب والسلام:( إن المعركة لا يكسبها دائما إلا الذي وطن النفس علي كسبها .. إن الانتصار لا يتوقف على القائد ولكنه يتقرر عندما يصيح أول جندي:" لقد خسرنا "، أو عندما يهتف:" لقد انتصرنا" ..).
وبعد الاحتفال بالعيد تبدأ معركة رمي الجمرات لتذكرك بدرس لاينبغي أن تنساه : لا تترك سلاحك في غمرة الاحتفال بالعيد، فعدوك لن يتبخر، وجيش الباطل يجمع فلوله المنهزمة للمعركة القادمة... كن يقظاً وحذراً، لا تترك حالتك الثورية حتى يتحقق الهدف، ويعم السلام.. الأرض الحرام.
كن جندي عقيدة منضبطًا بأخلاق قدسية المعركة التي تخوضها، فأي تجاوز عن العدو المحدد والهدف المرسوم يحبط العمل، فلا مكان هنا لرفث ولا فسوق ولا جدال، لا مكان هنا لإيذاء حيوان أو نبات... أنت هنا في أرض السلام.
أنت هنا يا إنسان تقوم بأداء دور عجيب غريب لإنسان وقف منفرداً يواجه الباطل..، باطل الشرك بتحطيم الأصنام في معقلها، وباطل الظلم والطغيان واستعباد الإنسان بمواجهة النمرود، وباطل الخرافة والجهل وغياب الوعي بمجادلاته مع قومه.
أنت هنا "إبراهيم"... الرجل الأمة، الذي حطم الأصنام، واقتحم النيران، وواجه النمرود، الرجل الذي عبّد الطريق لرسالة التوحيد.. لطريق الأنبياء.. لتحرير الإنسان..
هذه هي رسالة شعيرة من شعائر الإسلام.
وهذا هو الإسلام... رسالة تحرير الإنسان.
تحريره من العبودية لغير الله...، تحريره من الاستعباد والاستبداد والاستغلال والاستغفال.
إن ديناً هذه رسالته حقيق أن يقف في طريقه أحفاد الشيطان من الطغاة والمستبدين والمستغلين والممتصين لدماء الشعوب.
وبرغم أنهم يستفرغون كل الجهد لمحوه إن أرادوا، أو تفريغه من محتواه بأيدي أذنابهم من بني جلدتنا، أو حرفه عن مساره بما زرعوه من داعش وفروعها المنحرفة.
فكل ما في وسعهم هو فقط عرقلة مسيرة تغيير بدأت، وراية حق ارتفعت، وحناجر هتفت:
لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك..


القراء 894

التعليقات


خريطة الموقع


2024 - شبكة صوت الحرية Email Web Master: admin@egyvoice.net