بقلم : مهندس / محمود صقر
06/06/2015
شعوب قررت الانتحار.
في حين كان غيره من الأنبياء يسري في قومه سريان الشمس : تضيء بنورها في مكان ، وتلسع بحرارتها في مكان ؛
كان المسيح يسري في قومه سريان القمر ؛ ضوء رفيف لطيف حالم شاعري .
إذا تتبعت مواطئ أقدامه لوجدتها نسمات عبير تشفي العليل ، ترسل العزاء للمحرومين ، وتخفف آلام الثكالى والأيامى والمكلومين.
فلماذا يا قوم كرهتموه .؟!
لماذا سعيتم في صلبه وسبه وإيذائه .؟!
لماذا يا يهوذا غدرت بمعلمك ، ووشيت به وأنت مصطفاه .؟!
إنها أسئلة عجيبة محيرة ...!!
ولكن ..، هكذا تفعل الكراهية .!!
حملة كراهية قادتها دعاية فاجرة من أحبار اليهود ، بدعم من ذهب الحاكم الروماني وسيفه .
سرت بين الجماهير المُغيبة ، تلك الجماهير التي جاء من أجلها المسيح ، ليمسح عنها الذلة والخضوع ، فخرجت بكل حماسة وقوة واندفاع ..لتطالب بصلب المسيح .!!!
قصة مأساوية بكل ما تحمله المعاني الإنسانية .
إنها قصة مكررة لشعوب تتقدم للانتحار على مذبح الكراهية :
فعلى مذبح الكراهية انتحر الشعب الألماني العريق وسار كالأعمى خلف دعاية "الفهرر" العنصرية ،
وعلى مذبح الكراهية انتحر الشعب الروسي خلف دعاوى الشيوعية التي أقنعته أن المساواة والعدالة تمر عبر الحقد الطبقي ، وأن الظلم والسجن والإذلال لمن يخالف خطط الزعيم هي وسائل مرحلية لتحقيق الأمن والاستقرار والرفاهية .!!
وعلى مذبح الكراهية سقط في "رواندا" ثمانمائة ألف قتيل خلال ثلاثة أشهر فقط .!!!
قصص انتحار عجيبة لم تفرق بين شعب بدائي وشعب متحضر ، فبتأثير دعاوى الكراهية تعمى الأبصار وتتعطل العقول وتسفل الطباع الإنسانية ، ويصير العالم والجاهل سواء .
فخطاب الكراهية خطاب عاطفي يعتمد على افتراءات وأكاذيب تتقبلها نفوس لا تسأل عن دليل ؛ بل عندها استعداد تام لمخالفة ما رأته أعينها وما سمعته آذانها، وبمقدورك الرجوع لمقدمة المقال للتأكد.
وبعد التجارب المريرة استفاقت دول لتحمي نفسها من تكرار تلك التجارب المأساوية عبر قوانين صارمة لتجريم الحض على الكراهية .
ولأول مرة قامت المحكمة الجنائية الدولية في الحالة الرواندية بمحاكمة إعلاميين ومعاقبتهم بتهم التحريض على العنف والكراهية معتبرة خطاب الكراهية جريمة ضد الإنسانية .
ونشطت الدراسات النفسية التي تدرس سلوك الجماهير الواقعة تحت تأثير دعاية الكراهية ، وحذرت من أن تلك الدعاوى العاطفية تنتشر بالعدوى بين الجماهير ، ويرتكب الفرد فيها أبشع الجرائم ، أو يتقبل أبشع الجرائم التي كانت نفسه تشمئز منها في حالته الطبيعية. ولا فرق بين عالم وجاهل فكلاهما لايسأل عن دليل ؛ فمرآة الكراهية عمياء تماما كمرآة الحب.
وفي حين تجد شعوباً استفادت من تجاربها وتجارب غيرها.
فهناك شعوب أخري تؤجج نار الكراهية، وتنتظر دورها في مقابر التاريخ.