بقلم : مهندس / محمود صقر
20/06/2015
بالكلمة لا بالسيف .. يٌصنع التاريخ.
النمرود بملكه وسطوته وجبروته لم يصنع تاريخاً ، وسيدنا إبراهيم بمفرده صنع التاريخ برسالته.
فرعون بملكه وجنوده وسحرته وهامانه وقارونه لم يصنع تاريخاً ، وسيدنا موسى الهارب المطارد الأعزل صنع التاريخ برسالته .
افتحوا صفحات التاريخ ، وراجعوا الصراع بين الكلمة والسيف ، فستجدون قاعدة راسخة مفادها : أن السيف قد ينتصر على الكلمة مؤقتاً ولكن الغلبة في النهاية للكلمة ، والديمومة لها ، وصناعة التاريخ بها .
كلمة إبراهيم علت سيف النمرود ، وكلمة موسى علت سيف فرعون ، وكلمة الحسين علت سيف يزيد .....
وإذا كان لا بد للحق من قوة تحميه ، وللكلمة من سيف يحميها .
فقد يتأخر السيف ، حتى تنضج الكلمة وترسخ وتنتشر ويبلغ أتباعها سن الرشد بالاختبار والتجربة والتمحيص .
فكلمة سيدنا موسى حماها سيف داود .. بعد حين
وكلمة سيدنا المسيح حماها سيف قسطنطين .. بعد حين .
وكلمة سيدنا محمد حماها سيف محمد .. بعد حين .
ولكن سيف البطش والطغيان لا تحميه ملايين الكلمات الزائفة .
فسيف "هتلر" لم تحمه كلمات "جوبلر"
وسيف "عبد الناصر" لم تحمه كلمات ( صوت العرب )
والتاريخ لا يصنعه من يعيشون أسرى لحظتهم الزمنية ، وواقعهم المؤلم ...لا يصنعه من ينظرون تحت أقدامهم ، ولا يتجاوز بصرهم أنوفهم .
بل يصنعه أصحاب رؤية ورسالة يخرقون بها حجب الزمن ، ويترفعون بها عن الواقع المؤلم المحبط .
جاء خباب بن الأرت إلى النبي عليه الصلاة والسلام وهو مسند ظهره إلى الكعبة يشكو للرسول التعذيب والألم ، وتعلوه نبرة اليأس والملل متسائلاً : ألا تدعو لنا ؟ ألا تستنصر لنا ؟!!
أما النبي عليه الصلاة والسلام صاحب الرسالة ، فيخرق حجب الزمن ، ويمتد ببصره إلى الأفق ، ويسطر بكلماته صفحات تاريخ لم يأت بعد ، ويجيب : " والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه ، ولكنكم تستعجلون ."
هكذا يُصنع التاريخ ، ويتحول مجراه ، وتتغير الأمم ، ويتبدل الضعف إلى قوة ، والهزيمة إلى نصر ، والتيه إلى رشاد .
وكما أن التاريخ لا يصنعه الطغاة ، كذلك لا تصنعه السيوف الطائشة ، ولا يصنعه المهازيل أصحاب النفس القصير ، والنظر الحسير ، ولا يصنعه الجالسون بعيداً في مدرجات المشاهدين .
فصناعة التاريخ يلزمها : فكر ورسالة ، رؤية وبصيرة ، مضاء وعزيمة .
يلزمه رجال " صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا"
حتماً سيزول سيف البطش ، وسيأتي سيف الحق وسيعم النور ويتبدد الظلام .
وإن غداً لناظره قريب .