بقلم : احمد الملا
جاءت الأنبياء والرسل بالديانات السماوية من أجل توحيد الله تعالى، وهذا أمر متفق عليه عند الجميع ولا خلاف فيه، ومن خلال مسألة التوحيد طرحت العديد من المفاهيم والقيم والتنظيمات التي من خلالها يتم تنظيم حياة الإنسان وعلاقته مع ربه ومع مجتمعه وفق أسس إنسانية وأخلاقية وإشاعة مبدأ التسامح والتعامل مع الآخرين بكل روح " رياضية " كما يعبر بعضهم، وقد أسس القرآن الكريم لهذه المعنى بعدة موارد شريفة منها :
- {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } البقرة 256...
-{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } الإنسان3 ...
-{وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً } الكهف29...
وغيرها من الموارد الشرعية التي تؤكد على حرية الرأي والعقيدة والدين وإن كان هناك محاسب فهو الله تعالى جلت قدرته وليس الإنسان المتدين وحتى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- كان مبشرًا ومنذرًا وليس محاسبًا فكل ما عليه هو أن يطرح ما كلفه به من رسالة والباقي على الطرف المتلقي أما يؤمن أو يكفر والحساب يكون على الله كل حسب عقيدته وفكره ودليله وهذا هو التوظيف الحقيقي والرسالي لكلمة التوحيد...
وهنا أقتبس كلام للمرجع المحقق الصرخي في إحدى محاضراته العقائدية التاريخية ((...علينا أن نعمل بكلّ جدّ وجهد لإصلاح أنفسنا ومجتمعنا ونصرة ديننا ورسالتنا السماويّة الأخلاقيّة السمحة، فلنتعلّم ونعلّم الآخرين أنّه كلّ إنسان حسب مستواه الفكريّ والعقليّ والنفسيّ والاجتماعيّ وحسب ما وصله ويصله من دليل، والمهم أن تجمعنا كلمة التوحيد التي تُحقن بها الدماء وتُحفظ بها النفوس والأموال والأعراض...)) إنتهى كلام الأستاذ المحقق...
وفي هذه الدعوة التي نجدها في كلام المحقق الصرخي نلاحظ مدى التمييز الحقيقي بين التوظيف الرسالي لكلمة التوحيد وبين التوظيف الدموي لها، فهناك من جعل من هذه الكلمة ذريعة وحجة وغطاءًا شرعيًا من أجل التكفير الدموي والقتل وسفك الدماء وإمتهان حرمة وكرامة الإنسان بحجة " عدم التوحيد " ولم يضع مثل هؤلاء في بالهم أي مقياس ومعيار إلهي في هذه الكلمة ولم يلتفتوا إلى المعاني القرآنية التي تؤكد على حرية الرأي والفكر والعقيدة، فنصبوا أنفسهم آلهة على الناس وجعلوا من أنفسهم أنبياء للقتل وسفك الدماء كما فعل ويفعل الدواعش وأئمتهم التكفيريين ومن سار ويسر على الخط الدموي ذاته...
فإن كنا فعلًا مسلمون أو أصحاب دين أن نوظف هذه الكلمة في مجالها الصحيح ونعمل وفق ما أراده الله سبحانه وتعالى أي نتعامل مع الآخرين حسب مستواه الفكريّ والعقليّ والنفسيّ والاجتماعيّ وحسب ما وصله ويصله من دليل وأن لا نحكم لغة السيف والتكفير الدموي الداعشي لأن الأخير سوف يكون سبة على الدين عمومًا وعلى الإسلام خصوصًا وهذا ما لمسناه في السنوات الأخيرة حيث بات الناس ينفرون من اسم دين وإسلام وكلمة توحيد وذلك بسبب التوظيف الدموي لمعنى التوحيد.
http://d.up-00.com/2018/07/15327811958991.png