بقلم : احمد الملا
تناول بعض ناشطي مواقع التواصل الإجتماعي محاضرة أو جزء من محاضرة للدكتور علي منصور الكيالي وهو يتحدث عن نفي وجود عذاب القبر مستدلاً بآيات قرآنية بعضها يتحدث عن جهنم وبعضها جاء ذكرها القرآن الكريم وهي على لسان حال الكافرين والجبابرة والطغاة وغيرهم ممن يستحق دخول جهنم، وهو في حقيقة الأمر قد حصل عنده خلط واضح وصريح بين النار وبين العذاب في القبر ، ولم يلتفت إلى إن هناك آيات تتحدث عن وجود عذاب القبر، وكذلك هناك آيات تتحدث عن عذاب الدنيا، وعذاب القبر أو البرزخ وعذاب الدنيا هو ليس عذاب جهنم ولا يعني دخول جهنم، فليس كل من يعذب في القبر يدخل جهنم، وسنأتي على توضيح ذلك لاحقاً ...
وهنا نسأل الدكتور الكيالي عن قوله تعالى في سورة الأنعام الآية 93 وفيها قوله { ... وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ }، فهؤلاء الظالمون وهم في غمرات الموت يتعرضون للعذاب فهذا نص صريح عن العذاب في بداية عالم البرزخ فهل ينكر الدكتور الكيالي هذا الأمر الصريح أم إنه لم يلتفت له أم ماذا يقول ؟؟... كما إن قوله تعالى في سورة التوبة {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ } 101 ، يدل على إن الأعراب المنافقون سيعذبون مرتين وبعدها سيعذبون في عذاب عظيم، فالعذابين الأوليين هما عذاب الدنيا وعذاب البرزخ من ثم العذاب الثالث وهو العذاب العظيم عذاب جهنم، ومن يقول كيف يكون هناك عذاب في الدنيا؟ نجيبه بأن هذا العذاب هو ما قاله الله تعالى في سورة آل عمران {فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ }56 ، وغيرها من الآيات المباركة في موارد أخرى تتحدث عن عذاب الدنيا، فهل ننكر عذاب الدنيا بحجة إنه يوجد عذاب في الآخرة ؟ ومن هذا نفهم إن في كل عالم ( دنيا – برزخ – آخرة ) يوجد عذاب – كل عالم وعذابه الخاص - وإن الدكتور الكيالي قد توهم أو اشتبه في نفي عذاب البرزخ...
فهناك الكثير من الموارد والإشكالات على رأي الدكتور الكيالي لكننا نكتفي بذكر رأي المحقق الصرخي عن عالم البرزخ وبيان ما في هذا العالم ومن خلال رأيه سنعرف كيف إن كل من يعذب في القبر لا يدخل جهنم ... سنذكر على نص الاستفتاء الذي وجه لسماحة المحقق الصرخي ...
السؤال هو: سماحة المرجع آية الله العظمى السيد الصرخي الحسني -دام ظله الشريف أدامكم الله- سؤالي هو: كيف نعتقد بوجود البرزخ وما الغاية من وجوده إذا كان هناك حساب في يوم آخر وهو يوم القيامة؟.
جوابه: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: س1: كيف نعتقد بوجود البرزخ؟
جواب: 1- ذكر في عالم البرزخ أنه: ملك آخر وهو عالم النفوس بعد الموت وهو الواسطة بين الدنيا والآخرة، وهو عالم المثال. 2- الدليل على البرزخ: إن ما دلَّ على ثبوت الحالة التي بعد الموت قبل القيامة شواهد كثيرة نقلية وعقلية، ولم ينكر وجود هذا العالم أحد من العلماء وإن اختلفت مقاصدهم وعباراتهم فيه.
أ- الشاهد النقلي: القرآن: قوله تعالى: ((ومن وَرَائهم بَرزَخٌ إلَى يَوم يبعَثونَ)) (المؤمنون: من الآية100)، قوله تعالى: ((النَّار يعْرَضونَ عَلَيْهَا غدوًّا وَعَشيًّا وَيَوْمَ تَقوم السَّاعَة أَدْخلوا آلَ فرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَاب )) (غافر:46) فإن الآية تشير الى أن فرعون في حياة ولكنها تختلف بعض الإختلاف عن الحياة الدنيا وهذه الحياة البرزخ ثم بعدها يوم القيامة، وغيرها من الآيات. ب- الشاهد العقلي: والدليل عليه من العقل كما عبَّر البعض: إن عالم الملك من الماديات، وعالم الملكوت من المجردات، فلا بد أن يكون بينهما برزخ ليس في لطافة المجردات، ولا في كثافة الماديات، وإلاّ وجدت الطفرة في الوجود.
س2- وما الغاية من وجوده؟
الجواب : يظهر من بعض الروايات أن في عالم البرزخ هناك مَن يتاح له أن يتكامل، ففي رواية عن حفص قال: سمعت موسى بن جعفر -عليهما السلام- يقول لرجل: أتحب البقاء في الدنيا؟ فقال: نعم، فقال: ولم؟ قال: لقراءة قل هو الله أحد، فسكت عنه، فقال له بعد ساعة: يا حفص مَن مات من أوليائنا وشيعتنا ولم يحسن القرآن علم في قبره ليرفع الله به من درجته فإن درجات الجنة على قدر آيات القرآن يقال له: اقرأ وارق ، فيقرأ ثم يرقى. (الكافي ج2 ص606). هذا بالإضافة الى أن أعمال الأحياء تصل الى الأموات فتكون تلك الأعمال لهم زيادة في الدرجات....انتهى جواب المحقق الصرخي..
ومن هذا الرأي وهذا الإستدلال المقتضب جداً للمحقق الصرخي نفهم إنه هناك عذاباً في القبر ودليل ذلك هو ما يعرض على فرعون من نار في الغداوة والعشي وهذا قبل يوم القيامة ولهذا قلنا ان عذاب القبر شيء وعذاب جهنم شيء آخر وكذلك إن وجود هذا العالم هو لغرض اتاحة الفرصة للتكامل وهنا نقطة نتفق بها مع الدكتور الكيالي ، لكن في نفس الوقت عندما يقول الدكتور الكيالي بأن القبر للتخفيف والعمل الصالح الذي يلحق بالميت من الابناء او الصدقة الجارية .... إلخ فبالوقت ذاته هناك أشخاص سنوا سنة سيئة وعمل دموي إجرامي فاسد مفسد يبقى بعد موته مثلا مؤلف يكتب كتاب يؤسس فكرة الإلحاد أو فكر عقائدي منحرف أوفكر إرهابي فما هو حاله في القبر وهو ليس مادة وتراب...
وهنا ندعو القارئ الكريم للإطلاع على البحث الأخلاقي للسيد المحقق الصرخي الحسني الذي بعنوان ( الرحيل إلى الآخرة ) لمناسبته ما طرح أعلاه من رأي ورأي آخر ....
https://www.al-hasany.net/ethics-hereafter/