بقلم :: احمد الملا
لو فرضنا هناك مصرف ما في مدينة معينة وكان عدد الذين أودعوا فيه أموالهم هم عشرة أشخاص وفي يوم من الأيام قرر هؤلاء الأشخاص العشرة كلهم بأن يسحبوا أموالهم من هذا المصرف في نفس اللحظة وفي نفس الوقت، فماذا تتوقعون هل سيحصلون عشرتهم على أموالهم ؟ الجواب قطعا لا بل إن من سيحصل على أمواله كاملة أما واحد فقط أو اثنين من هؤلاء العشرة والبقية سوف لن يحصلوا على أموالهم ، والسبب في ذلك هو إن المصرف هذا قد جعل من تلك الأموال رأسمال له في تعاملته مع العملاء والشركات والمصارف الأخرى فيجمع ما يأتيه من أموال الودائع ويتعامل بها مع الناس وهكذا هوحال جميع المصارف وخصوصا مصارف الأنظمة الرأسمالية ...
وحتى لا تكون المصارف عرضة للإفلاس أو أن يسحب جميع عملائها ما أودعوه من أموال فيها لجأت تلك البنوك إلى حيلة الأصول المالية وهي عبارة عن ( ودائع مصرفية وأسهم وسندات ) فالودائع هي أيداع أموال في المصارف وهو يمثل ما يدين به المصرف لصاحب المال، أما الأسهم فهي مجموع رأس مال شركة ما والمتكون من مجموع أسهم أو حصص المستثمرين ممن استثمروا أموالهم في هذه الشركة وهذه الحصص تكون مقيدة أو مودعة في مصرف معين تعاملت معه هذه الشركة أو تلك..
أما السند المالي – وهو المهم في الأمر – فالسندات هي : أوراق مالية ذات قيمة معينة وهي أحدى أبرز أدوات الاستثمار، والسند عادة ورقة تعلن عن أن مالك السند دائن إلى الجهة المصدرة للسند، سواء حكومة أو شركة، أو مشروع، وعادة تطرح هذه السندات للبيع في سوق المال لتحصيل مبلغ مطلوب لمشروع خاص، ولهدف محدد، فقد تحتاج إحدى الشركات لشراء باخرة، أو تحتاج بلدية إحدى المدن إلى تمديدات كهربائية أو مائية جديدة، أو أن حكومة ما تحتاج إلى بناء مدارس أو جامعة، ولكن الاعتمادات المالية غير متوفرة، ولا يمكن تحقيقها بسهولة لكبر الاحتياج، وفي الوقت نفسه فإن صاحب الحاجة لا يرغب في أن يكون هناك شريك له فيما يعمل سواء لعدم إمكانية المشاركة كالأعمال الحكومية والبلدية أو المدارس، أو أن الشركات لا ترغب في التوسع في خلق شراكات جديدة مع الشركاء الأولين، لذا فإن الحل هو أن تطلب سلفة لتغطية المبلغ الذي تحتاجه، ويمكن تحصيل هذا المبلغ عن طريق قرض من بنك واحد أو مجموعة بنوك، ويمكن أيضا أن تطرح سندات بمبالغ صغيرة نسبيا ليكون شراؤها في مقدرة الناس العاديين، وتكون هذه السندات بمثابة ورقة دين على هذه البلدية أو الحكومة أو الشركة، وتباع هذه السندات على الناس كوسيلة للاستثمار المضمون – وهذا البيع يكون على شكل أسهم بمعنى إن المصرف يبيع السندات للناس ليكن لهم سهما في هذه الشركة او هذا المشروع - فيقدموا ما لديهم من أموال متوفرة بضمانات معينة من قبل الجهة المستفيدة من القرض.
وهنا نرجع إلى المقام الأول وهو الإيداع فأن المصارف أو البنوك قائمة بالأساس على الودائع من قبل الشركات أو المؤسسات أو الأفراد، وكل أو على أقل تقدير أغلب أموالها ورأس مالها من تلك الودائع وتموليها للشركات والحكمومات يكون من تلك الأموال المودعة، لهذا فإن الدول الرأسمالية هي من أكثر الدول عرضة للإنهيار في ما لو حصلت أزمة اقتصادية قوية بحيث تدفع باصحاب الأموال بسحب أموالهم من البنوك والمصارف فهذا ما سيجعل أغلب المصارف والبنوك الإعلان عن إفلاسها من جهة وفي الوقت نفسه تكون مدانة لأصحاب الودائع من جهة أخرى، ولهذا تتخذ الحكومات الرأسمالية إجراءات تعسفية بحق المواطنين كرفع نسبة الضرائب أورفع سعر منتج أساسي معين كالغاز أو البانزين حتى تحاول التقليل من الأزمة الإقتصادية لتقلل من نسبة خوف اصحاب الودائع كي لا يسحبوا دائعهم...
لذا فإن الإصول المالية هي خدعة كبيرة تعيش عليها تلك الأنظمة المادية فأي أزمة خانقة تؤدي إلى انهيار تلك الأنظمة وهذا ما يدفعها – أي الخوف من الإنهيار – إلى السباق والصراع على شن الحروب والغزو على البلدان الأخرى من أجل الحصول على الأموال والثروات من جهة ومن جهة أخرى فتح سوق لها في تلك البلدان هذا من جانب ومن جانب ومن جانب آخر هذا الخوف يدفعها للتسابق والمنافسة مع البلدان الرأسمالية الأخرى من أجل السيطرة على أكبر رقعة جغرافية من العالم مستغلة في ذلك ما اتيح لها من حرية واسعة من أجل الحصول على الأموال، وقد بين سماحة السيد المحقق الصرخي الحسني في كتاب ( فلسفتنا بإسلوب وبيان واضح – الاسلام ما بين الديمقراطية الرأسمالية والاشتراكية والشيوعية ) وهو كتاب فيه بيان وتوجيه لما جاء في بحوث فلسفتنا للسيد الشهيد محمد باقر الصدر – قدس سره – بين سماحته كيف الرأسمالية تسوغ لنفسها الغزو وصب الويلات على شعوب العالم الأخرى من أجل الحفاظ على مكانتها ومكاسبها ومن أجل تكوين الثروات ...
وهذا رابط تحميل أو مطالعة الكتاب لمن يحب أن يطلع عليه :
http://www.al-hasany.net/wp-content/books/phlsapha/flsaftuna.pdf?fbclid=IwAR2NorCLJ3hOnlcXXXPEUJyPYttUUcL02jVaaoDiqWo6WVpaiu4CXfJoVHk