بقلم ثائر محمد القريشي
عندما نتكلم عن البكاء ومشروعيته من الناحية الشرعية ، فهل هو جائز أو غير جائز .؟ ولو قلنا أنه غير جائز وعدم الجواز يعني الحرمة أو الكراهة . فإن كان محرماَ لابد من وجود دليل أو نص شرعي يبين الحرمة ، لأن هذا من واجب المشرع إذ عليه أن يبين لأمته ما هو محرم عليهم ، وما دام لا يوجد دليل ينص على حرمة البكاء إذن هنا ينتفي لدينا حكم الحرمة ، يبقى لدينا حكم الكراهية ، وهو ما عبّرت عنه الشريعة بأنه المنع أو النهي عن الشيء ، إلا أنه بدرجة أقل من الإلزام ، إذ توجد رخصة من الشارع المقدس لذلك ، وهذا طبعاَ عند المكلف العادي ، لكن هذا الحكم – الكراهية – لو طبقناه على رسول الله ( صلوات الله وسلامه عليه ) وهل أنه يفعل المكروه – وحاشاه – يكون هذا منافياَ للعصمة الإلهية التي خصه بها الله تعالى ، حيث أنه توجد روايات تؤكد أنه صلى الله عليه وآله وسلم قد نعى بعض الصحابة ، إذ ورد في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نعى جعفراَ وزيداَ وابن رواحة وأن عيناه لتذرفان .
وأيضا ورد أنه كان ينحب على الحسين عليه السلام ، والنحيب يكون مصحوباَ بصوت يدل على البكاء ، وهذا ما ورد في كتاب اتحاف الخيرة المهرة للبوصيري ج7 / 337- 338 رقم الحديث ( 6755 ) : " وعن ام سلمه – رضي الله عنها – قالت : كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم نائماَ في بيتي فجاء الحسين يدرج ، ....... فدب فدخل فقعد على بطنه ، قالت : فسمعت نحيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .... "
فهذه الروايات والتي أشارت إلى فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم والتي نفينا عنه فعل المكروه إن لم تدل على الوجوب ، فإنها تكون دالة على الاستحباب – أي استحباب البكاء – على الحسين عليه السلام .
وفي ضوء ذلك نجد أن الإمام علي عليه السلام والذي هو نفس النبي صلوات الله عليه بنص القرآن الكريم ، قد سار على نهج رسول الله صلوات الله وسلامه عليهم ، ومن المجالس التي عقدها أمـيرالمؤمنين (عليه السلام) كانت في نفس طفّ كربلاء وقد عقد المجلس بنفسه وكان (صلوات الله عليه) هو صاحب المنـبر
حيث أخذ يرثي الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه وبكى (عليه السلام) وأبكى ، واستشهد في مجلسه بمجالس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبكاء الرسول (صـلى الله عليه وآله وسلم) على الحسين (عليه السلام) وإليك بعض ما
يشير لهذا المعنى عن طريق أهل السنّة:1- أحمد بن حنبل في مسنده عن عبد الله بن نجا عن أبيه إنه سار مع علي (عليه الـسلام) ، فلمـا حـاذى نينـوى وهو(عليه السلام) منطلق إلى صفّين نادى: (صبرًا أبا عبـدالله ، صبرًا أبا عبد الله بشطّ فرات.
فسئل عن ذلك فقال (عليه السلام): ( دخلتُ على رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم وهو يبكي فسألته، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): قام من عندي جبرائيـل فحدثني أن الحسين يُقتل بشطّ الفرات قال فقال : هل لك أن أشمّك من تربته ؟ قال : قلت ، نعم ، فمدّ يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها).
مقتبس من بحث للسيد الأستاذ المحقق الصرخي مستدلًاً خلاله على مشروعية الحزن والبكاء وعقد المجالس وبمصادر سنية وشيعية في بحثه " الثورة الحسينية "