صدق من قال...الأم مدرسة إذا أعـددتـها أعـددت شـعباً طيـب الأعراق....هكذا أم البنين-فاطمة-
بقلم _ حمد العاملي
فاطمة _مولدها ونشأتها-عليها السّلام-
كان حزام بن خالدّ بن ربيعة في سفر له مع جماعة من بني كلاب، نائم في ليلة من الليالي فرأى فيما يرى النّائم كأنه جالسّ في أرض خصبة وقد انعزل في ناحية عن جماعته وبيده درة يقلبها وهو متعجب من حسنها ورونقها وإذا يرى رجلاً قد أقبل إليه من صدر البرية على فرس له، فلمّا وصل إليه سلم فرد عليه السّلام، ثمّ قال له الرّجل: بكم تبيع هذه الدّرة ؟ وقد رآها في يده, فقال له حزام: اني لم أعرف قيمتها حتى أقول لك, ولكن أنت بكم تشتريها ؟ فقال له الرّجل: وأنا كذلك لا أعرف لها قيمة, ولكن إهدها إلى أحد الأمراء وأنا الضّامن لك بشيء هو أغلى من الدّراهم والدّنانير. قال: ما هو ؟ قال: اضمن لك بالحظوة عنده والزّلفى والشّرف والسّؤدد أبد الآبدين. قال حزام: أتضمن لي بذلك ؟! قال: نعم. قال: وتكون أنت الواسطة في ذلك ؟ قال: وأكون أنا الواسطة, أعطني إياها. فأعطاه إياها.
فلما انتبه حزام من نومه قص رؤياه على جماعته وطلب تأويلها فقال له أحدهم: إن صدقت رؤياك فإنك ترزق بنتا ويخطبها منك أحد العظماء وتنال عنده بسببها القربى والشّرف والسّؤدد.
فلما رجع من سفره، وكانت زوجته ثمامة بنت سهيل حاملة بفاطمة أُمّ البنين ، وصادف عند قدوم زوجها من سفره كانت واضعة بها ، فبشروه بذلك فتهلل وجهه فرحاً وسر بذلك، وقال في نفسه قد صدقت الرّؤيا، فقيل له ما نسميها فقال لهم سموها: (فاطمة) وكنوها: (أم البنين) وهذه كانت عادة العرب يكنون المولود ويلقبونه في الوقت الذّي يسمونه فيه وهو يوم الولادة.
وقد أقر الإسلام هذه العادة وأمر رسول الله- صلّى الله عليه وآله- بها، كما لقب وكنى الحسن والحُسين- رضي الله عنهما- فكنية الحسن (أبو محمد) ولقبه (المجتبى) وكنية الحُسين (أبو عبد الله) ولقبه (السّبط) وجعلها- صلّى الله عليه وآله- سنة في أمته وذلك لئلا يكنى المولود بكنية غير طيبة ويلقب بلقب غير حسن، بحيث لو خوطب المكنى أو المقلب به تشمئز نفسه ويغضب بذلك . ومن هنا أشار الله- عزّ وجلّ- في محكم كتابه المجيد بقوله: {ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق}
فنشأت أُمّ البنين في حضانة والدّين شفيقين حنونين هما حزام بن خالدّ بن ربيعة، وثمامة بنت صهيل بن عامر، وكانت ثمامة أديبة كاملة عاقلة، فأدبت ابنتها بآداب العرب وعلمتها بما ينبغي أن تعلمها من آداب المنزل وتأدية الحقوق الزّوجية وغير ذلك مما تحتاجه في حياتها العامة. وقد قال شاعر النّيل حافظ إبراهيم:
الأم مدرسة إذا أعـددتـها أعـددت شـعباً طيـب الأعراق
كما وكانت أُمّ البنين لها قابلية للتعليم، فقد وهبها الله- عزّ وجلّ- نفساً حرة عفيفة طاهرة وقلباً سليماً زكياً طيباً ورزقها فطنة وذكاء، وعقلاً رشيداً أهلها لمستقبل سعيد.فلما كبرت وبلغت مبالغ النّساء كانت مضرب المثل، لا في الحسن والجمال والعفاف فحسب، بل وفي العلم والآداب والأخلاق، بحيث اختارها عقيل بن أبي طالب لأخيه أمير المؤمنين- عليه السّلام- ، وما ذلك إلا أنها كانت موصوفة بهذه الصّفات بين نساء قومها بالآداب الحسنة والأخلاق الكاملة، علاوة على ما هي فيه من النّسب الشّريف والحسب المنيف مما جعل عقيل بن أبي طالب يرى فيها الكفاءة بأن تكون قرينة أخيه أمير المؤمنين- عليه السّلام- وشريكة حياته.
فاطمة والدة قمر العشيرة ومقطوع الكفّين
فاطمة، أمّ البنين، خير النسب وأعزّ الشرف بين المؤمنين، زوج سيّد الوصيّين عليّ يعسوب الدين، وأمٌّ للأقمار الشهداء الذين فدتْ بهم السبط الحسين، والدة قمر العشيرة أبي الفضل العباس ومقطوع الكفّين، إنّها قدوة لكلّ الطائعين والمتعفّفين، عابدة زاهدة شفيعة للداعين، وبفضلها نتشفّع عند الله بكلّ يقين، وبفقدها اليوم عزاؤنا لخاتم الرسل المصطفى الأمين، وآله الطاهرين، نخصّ القائم بالحقّ، والأمّة الإسلاميّة لاسيَّما السيّد الصرخيّ الحسنيّ.
١٣ جمادى الآخرة ذكرى وفاة السيّدة فاطمة أمّ البنين -عليها السلام -
https://c.top4top.io/p_1851bijvd1.jpg