شذرات الإسلام- ودور مذاهب المسلمين- في بيان المستضعفون في الأرض..في فكر المحقق الصرخي
بقلم ....حمد العاملي
أنواع الاستضعاف:
الأوّل: الاستضعاف الفكريّ--وقد تعرّض له القرآن الكريم بقوله عزّ وجلّ:"... فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا * إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً "النساء،: 97-98..ومعنى المستضعَف هنا بقرينة ما لحقه "لا يهتدون سبيلاً" هو القاصر من الناحية الذهنيّة والفكريّة. الموقف الإلهيّ من حساب المستضعفين في الآخرة توضّح الآية أنّ حساب الله للمستضعفين يختلف عن حساب غيرهم، فإنّ القاصر عن معرفة الحقيقة الذي لم يصل إليها بسبب يستحيل أن يعذّبه الله تعالى، لأنّ تعذيبه ظلم، والظلم قبيح، والله تعالى لا يفعل القبيح، لذا يعقّب الله تعالى على الآية المتقدّمة بقوله سبحانه: " فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوًّا غَفُورًا "النساء، الآية 99.وهذه العقيدة تفتح قلوب المسلمين للنظرة المنفتحة تجاه الآخرين في العقيدة طالما هم ليسوا جاحدين بالحقّ أو مقصّرين في الوصول إليه.
الثاني: الاستضعاف العمليّ...وهو ما يتحقّق من خلال التسلّط السياسيّ أو الهيمنة الأمنيّة، أو الضغط الاقتصاديّ وما شابه ذلك. وهذا المعنى هو الذي يقابله الاستكبار. وإذا جمعنا بين الاستضعاف السابق بالمعنى الفكريّ، وهذا المعنى للاستضعاف، فإنّ المستضعفين بالمعنى الشامل للنوعين السابقين لا يشترط فيهم أن يكون من أهل الحقّ.
الثالث: من هم المستضعفون الوارثون؟..إنّ المستضعفين الوارثين المنصورين في الآية، ليسوا مطلق المستضعفين، فهناك قيد قرآنيّ لهم هو كونهم عباد الله الصالحين، وذلك في قوله: "وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ" الأنبياء، الآية 105.وانطلاقًا ممّا تقدّم ورد في العديد من الروايات عن النبيّ-صلى الله عليه وآله وسلم-وأهل بيته-عليهم السلام-أنّ عباد الله المستضعفين الصالحين الذين سيرثون الأرض ويكونوا أئمةً فيها هم، بسبب النصّ الوارد عن سلمان الفارسيّ، قال لي رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم-: "إنّ المستضعفين في الآية هم آل محمّد" معجم أحاديث الإمام المهدي، ج5، ص 321>
الرابع: الموقف القرآنيّ تجاه المستضعفين...طرح القرآن الكريم قضيّة المستضعفين بدرجة عالية من الأهميّة، فلا يقتصر الواجب تجاههم على تعليمهم أو مساعدتهم الاقتصاديّة، بل يصل الأمر في طرح الكتاب العزيز إلى أن يقاتل المؤمنون في سبيلهم، قال الله تعالى: " وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا" النساء، الآية 75>
الخامس: الإمام المهديّ وتمكين المستضعفين...
قال الله تعالى: {{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ طسم ﴿١﴾ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴿٢﴾ نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴿٣﴾ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴿٤﴾ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ﴿٥﴾ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴿٦﴾}} سورة القصص.
أقول: المعنى واضح في التّمكين للمستضعفين وإمام المستضعفين - عليه الصّلاة والتّسليم -، فمتى يحصل هذا التّمكين، وعلى يدِ مَن؟! ولا يخفى عليكم أنَّ فرعون وهامان وجنودهما قد ماتوا قبل التّمكين المحدود الّذي حصل لاحقًاً وحَكَمَ فيه أنبياء وملوك بني إسرائيل، فمتى سيشهد ويرى فرعون وهامان وجنودُهما ما كانوا يحذرون منه من نصر الله المُستَضعَفين وتمكينهم في الأرض؟!
شذرات من كلام سماحة المرجع الأعلى السّيّد الصّرخيّ الحسنيّ - دام ظلّه -
https://www.up-00.com/i/00206/yktbqls8qpv9.jpg