بقلم :: احـــمد المـلا
كما هو متعارف عليه هناك فرق بين الملحد الذي ينفي وجود الله وبين المتهم بالإلحاد على الرغم من إنه موحد ويقر بوجود الله سبحانه وتعالى ولكن ألصقت به تهمة الإلحاد لأنه قد اختلف بعقائده الدينية عن طائفة أو مذهب, وقد تفرّد ابن تيمية وأتباعه بذلك الأمر, أي إنه أبرز شخصية إسلامية – كما هو معروف عنه – قام باتهام العديد من الطوائف الإسلامية بالإلحاد على الرغم من إنها طوائف ومذاهب إسلامية و موّحِدة, وسبب ذلك لاختلافِ تلك الطوائف مع عقيدة ابن تيمية, وهذا الأمر ثابت وموجود في كتبه وكل من يطالع أدبياته يجد هذا الأمر واضحاً عند ابن تيمية ومن بين أبرز الطوائف الإسلامية التي اتهمها بالإلحاد هي الإسماعيلية بالإضافة إلى غيرها من الطوائف التي اتهمها بالباطنية وغيرها من المسميات وعلى الرغم من أن أتباع تلك الطوائف يظهرون الإسلام ويطبقون تعاليمه دون مخالفة للخطوط العامة للمنهج الإسلامي, ومع ذلك صار دمهم ومالهم وأعراضهم ومقدساتهم مباحة عند ابن تيمية لأنهم لم يقولوا أو يعتقدوا بما يعتقد به هو !!!.
وفي الوقت ذاته نجد إن ابن تيمية قدّس ونزّه مَن هم يتظاهرون بالفسق والفجور وممارسة الرذيلة وشرب الخمر !! يُقدس مَن كان مخالفاً بكل وضوحٍ لتعاليم الإسلامِ والسنةِ النبويةِ وكتاب اللهِ ويمارسون كل أشكالِ وأنواعِ الإباحيةِ كالخلفاءِ الأمويينَ والعباسيينَ وسلاطينَ ومماليكَ الدولةِ العباسيةِ والأيوبيةِ الذينَ عُرفوا بشربِ الخمرِ والمجونِ, وهذا ما يذكره العديد من المؤرخين كابن الأثير والذهبي وابن العبري, ففي كتاب " تاريخ مختصر الدول " الجزء الأول في الصفحة 255 يقول ابن العبري ((... سنة اثنتين وأربعين (642هـ)، وفيها سيَّر السلطان غياث الدين جيشًا عظيمًا إلى مدينة طرسوس، فحاصروها مدة، وضيّقوا عليها، وكادوا يفتحونها عَنْوَة، فاتفق أنْ مات السلطان غياث الدين في تلك الأيام، وكان السلطان غياث الدين مقبلًا على المُجون وشرب الشراب، غير مرضيّ الطريقة، منغمِسًا في الشهوات الموبِقة ...))...
وهنا نجد تصريحاً واضحاً من ابن العبري بأن السلطان غياث الدين كان مقبلاً على المجون وشرب الخمر ومنغمساً في الشهوات ومع ذلك يقدسه ابن تيمية ويجعله خطاً أحمراً لا يمكن أن يُمس بكلمة حتى وإن كان متاجهراً ومعروفاً بمخالفة الشريعة الإسلامية والسنة النبوية, وكما يقول المرجع المحقق الصرخي في المحاضرة الثامنة والأربعون من بحث " وقفات مع توحيد ابن تيمية الجسمي الأسطوري " في تعليقاً له على هذا المورد الذي ذكرناه من كتاب ابن العبري,
حيث يعلق الأستاذ المحقق الصرخي حول ماذُكر أعلاه :
{{... هذا الإمام – غياث الدين - والخليفة قائدُ وقدوةُ وخليفةُ وإمامُ ابن تيمية، وكلّ هذه الأفعال ومع هذا يتحدَّثون عن الاسماعيلية والباطنيّة والحشّاشة والملاحدة!!! وأي إلحاد وزندقة بعد هذه الأفعال التي يقوم بها أئمة ابن تيمية مِن مجون وشرب وشراب ورقص وغناء وطرب وولدان وصبيان وشاب أمرد ورفاق الشاب الأمرد مِن الأرباب؟!!! فأي زندقة وأي إلحاد هذا حتى يقارَن مع إلحاد الاسماعيليّة؟!! لا يوجد أي مقارنة!!! ولكن مع هذا جرتِ الأمور بتوسّط الإعلام المدلِّس على أنّ الاسماعيلية ملاحدة!!! وعلى أنّ أئمة ابن تيمية وأصل الإلحاد هم مِن الدول القدسيّة المقدَّسة والواجب على الجميع إطاعتهم!!....}}.
وهذا ما يدفعنا للتساؤلِ ؛ أيهما من المفروض أن يُتهم بتهمةِ الإلحادِ ؟
هل الذي يُظهر الإسلامِ ولم يُبدي أيَ مخالفةٍ صريحةٍ للشريعةِ والسنةِ أمِ الذي يتجاهرُ بممارسةِ كل أنواع الإباحية من شرب خمر ومجون والموبقات ؟ وهذا التساؤل نطرحه لكل ذي لُبِ غير ميالٍ للعاطفةِ والهوى الطائفي الذي يبحث عن نصرة الإسلام وليس لنصرة نفسه ومذهبه أو طائفته أو مجموعته ؟
لماذا تسفك دماء مسلمون بتهمةِ الإلحاد بينما يُقدس من هم رموز الإباحية والذين هم للإلحاد أقرب من غيرهم ؟!!!.