الثورة الحسينية وبناءُ الفكر الثوري
بقلم : ضياء الحداد
قام الإمام الحسين عليه السلام سبط رسول الله ، بثورة عملاقة جبّارة ، وملحمة بطولية مأساوية ، جسّد فيها الإمام جميع أبعاد الإسلام ، فأصبحت هذه الثورة الحسينية عامة ، وشاملة لكل إنسان يعيش على هذه الأرض ، وبقيت ثورة رسالية مثالية رائدة إلى هذا اليوم بلا منازع ، وأصبح الإمام الحسين رمزاً للإسلام ، ولتعاليم السماء ، ومجسّداً حقيقياً لجدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأصبح يوم عاشوراء محطة إلهام للأحرار، والشرفاء ، وأصحاب الأفكار السامية ، والضمائر الحرة ، لأنهم وجدوا في سيرة الإمام الحسين عليه السلام ذخراً أخلاقياً، ونبلاً، وعظمة، ومجداً وكرامة، وشموخاً وإباء.
إنّ يوم كربلاء ليس واقعة تاريخية إنتهت في يوم العاشر من محرم سنة 61 هـ ، بل كانت هذه الحادثة العظيمة بداية ، ومنطلقاً للقيام ضد الظلم والطغاة ، والوقوف أمام أعداء الإسلام ، والدفاع عن القيم والمثل والحرية ، فكم قامت ثورات ضد المستكبرين والمتحكمين على رقاب الناس بالقوة والسيف ، والحديد والنار ببركة الإمام الحسين عليه السلام وإلهاماً من يوم عاشوراء.
إن من أهم أسباب ثورة الإمام الحسين هو بعث روح جديدة ، ولهزّ الضمائر الميتة ، حيث أحسّ الإمام إنّ مجتمع الكوفة والأمة الإسلامية أصيبا بمرض فقدان الإرادة ، وموت الضمير، بحيث كانت الأمّة كلها تعرف الحق ، والباطل ، وتعرف أهل الحق، وأهل الباطل ، ولكّنها كانت متقاعسة ، ومتخاذلة ، وخائفة ، من نصرة أهل الحق لفقدانها الضمير الحي ، والإرادة القوية ، والصلبة ، بالرغم من معرفة الأمة الحقائق ، وأنّ الامام الحسين (عليه السلام) على حق ، ويريد أن يصلح الأوضاع الفاسدة ، ويقضي على العادات الجاهلية.
إنّ المسلمين في عصر الإمام الحسين (عليه السلام) اتّجهوا إلى حياة الدعة ، والرفاهية ، ولم يفكّروا بالإسلام ومصالحه العليا، بل كانوا يفكّرون بحياتهم الشخصية ، وأوضاعهم الخاصة.
وقد عرف الإمام الحسين (عليه السلام) أنّ تغيير الأوضاع الفاسدة ، والقضاء على العادات الجاهلية ، وإيقاظ الضمائر، وإرجاع الثقة ، والإرادة ، وبعث روح جديدة في الأمة ، لا يمكن من خلال الخطب الحماسية .
يقول: الشهيد محمد باقر الصدر : لو خطب الإمام الحسين عليه السلام ألف خطبة ، لما تمّكن أن يعالج هذا المرض الذي أصيب به مجتمع العراق آنذاك ، وهو مرض الركون إلى الدنيا ، وفقدان الإرادة القوية ، وموت الضمير، بل إنحصر العلاج والشفاء من خلال هذه التضحية العظيمة في يوم عاشوراء ، والإمام الحسين (عليه السلام) إستعدّ للموت ، وللفداء في سبيل الله ، من أجل تصحيح الأوضاع الفاسدة ، وتقوية إرادة المسلمين ، وإيقاظ ضمائرهم ، وفعلاً بعد شهادة الإمام الحسين (عليه السلام) استعادة الأمة ثقتها بنفسها ، ونهضت معلنة صرخة الرفض لكل أشكال الحكم المنحرف ، وحدثت ثورة التوّابين بقيادة المختار الثقفي ، وثورة زيد بن علي ، وعشرات الثورات ضد الظلم ، والفساد ، والطغيان ، ورغم انتكاسة بعض هذه الثورات ، إلاّ أنها كانت تعبّر عن مدى التأثير الذي أحدثته شهادة الامام الحسين في نفوس أبناء الأمة ، وكانت تدل في الوقت نفسه ، على دخول الأمة في عهد جديد ، من أبرز ملامحه المعارضة ، والثورة ، والعصيان ضد الظلم ، وهذا مالم يحدث من قبل شهادة الإمام الحسين.
إن ثورة الإمام الحسين ستبقى نابضة بالحياة ، ومتجددة وموقظة للضمائر الحية التي تكاسلت وغفلت ، فهذه الثورة قد بنت الأساس المهم الذي ستقوم عليه ثورة الإمام المهدي عليه السلام والتي ستنتهي بتكوين دولة العدل الإلهي.
يقول سماحة المحقق المرجع الصرخي الحسني :
إنَّ معالجةَ الآفاتِ ورفعَ المساوئ والرذائـلِ يحتـاجُ إلى تظافرِ جهودِ المخلصينَ بمعرفةِ وتعريفِ الناسِ حقيقةَ الحسينِ وحقيقةَ نهضتِه وثورتِه ومركزيتَها وامتدادَها الزمانيَّ والمكانيَّ منذُ بـدءِ الخليقـةِ إلى يـومِ الـدينِ ، فثـورةُ الحسينِ(عليهِ السلامُ ) هي النبضُ والحياةُ لكلِّ ثورةِ حقٍّ وكلِّ كلمةِ حقٍّ تصدرُ من مظلومٍ ومستضعفٍ وهي سيفٌ بوجهِ كـلِّ طاغٍ وظالمٍ، وهي الأنيسُ لكلِّ حـزينٍ ومكـروبٍ، وهـي الأسوةُ لكلِّ معذبٍ ومضطهدٍ ومظلومٍ .
فـالثورةُ الحـسينيةُ شيّدتِ الأساساتِ الصلبةِ المتينةِ العميقةِ التي يـُراد منـها الامتدادُ وأخذُ الثأرِ وتشييدُ وحملُ البناءِ المتكامـلِ لدولـةِ العدلِ الإلهيِّ حتى يتحققَ شعارُ الإمـامِ الحـسينِ "عليهِ السلامُ " في استقامةِ الدينِ ، والإصلاحِ في أمةِ الإسلامِ العالميِّ الرساليِّ و تهيئةِ الكوادرِ والقواعدِ المستعدةِ كـلَّ الاسـتعدادِ
للتضحيةِ والفداءِ والسيرِ في طريقِ التكـامُلاتِ الفكريـةِ والعاطفيةِ والسلوكيةِ حتى الوصـولِ للمواطنـةِ الواعيـةِ الرساليةِ الصالحةِ لنصرةِ الحقِّ وتحقيـقِ دولتـِه المقدسـةِ والحصولِ على السعادتينِ في الدنيا والآخرةِ.
مقتبس من بحث "الثورة الحسينية" للسيد المحقق الاستاذ الصرخي .