بقلم : احمد المــلا
يعد حديث النزول الذي يرويه أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " ينزل رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ" وهذا الحديث متفق عليه رواه البخاري ومسلم هذا من جهة ومن جهة أخرى قد أثبته ابن تيمية وجعله من أساسيات عقيدته في التجسيم والتشبيه - راجع كتاب شرح حديث النزول لابن تيمية - لأن هذا النزول هو نزول حقيقي وليس نزول رحمته " لأنه قول متأولة " !! فهو يقول بأنه نزول حقيقي – كما إن الإستواء حقيقي - وكما يقول ابن حجر العسقلاني في ترجمته ابن تيمية ( قد أنكر علماء عصره عليه قوله إن الله ينزل إلى السماء الدنيا كنزولي هذا ونزل من درجات المنبر ) وهذا ما رواه الرحالة ابن بطوطة أيضاً ...
وهنا نجد أن هذا الحديث إن لم يحمل على محمل التأويل والتفسير فإنه زخرف بل فيه بدعة وخرافة لا يمكن لأي عقل أن يقبل به لأن كروية الأرض تبطل هذا الحديث إن كان المراد منه النزول الحقيقي، فالحديث تكلم بصورة مطلقة حيث يقول إن الله تعالى ( ينزل كل ليلة حتى يبقى الثلث الأخير ) يعني نزوله في كل ليلة وهنا نجد إن الليل دائماً مستمر في الأرض لكرويتها فعندما يكون هناك نهار في بلد شرقي فنجد هناك ليلاً في بلد غربي وبالعكس فالليل دائماً موجود والحديث يقول في كل ليلة ولم يحدد توقيت منطقة معينة كأن يقول في كل ليلة من ليالي أهل المشرق أو أهل الحجاز وهكذا بل قال في كل ليلة...
لذلك فإن كروية الأرض وحسب هذا الحديث تجعل من الله سبحانه وتعالى يكون دائماً في السماء الدنيا تاركاً للعرش وان استمرارية البقاء تنفي الصعود والنزول ، إي إنه مادام باقياً في السماء الدنيا لان الليل مستمر فهذا ينفي أن ينزل كل ليلية إلى تلك السماء لأنه لم يغادرها صاعداً إلى العرش " سبحانه وتعالى عما يصف المجسمة المشبهة – وهذا يعني بصورة عامة ينفي الحديث وصحته لعدم مقبوليته العقلية إلا إذا حمل على محمل التأويل ويكون معنى النزول هو الرحمة أو الأمر وغيرها أو هناك احتمال آخر يجعل من الحديث صحيحاً وهو إن الأرض مسطوحة وهذا الرأي ابن تيمية يبطله جملة وتفصيلاً لأن الأرض كروية وابن تيمية يقول بذلك ومن يريد أن يتأكد فعليه مراجعة مجموع الفتاوى الجزء السادس الصفحة 587 وما بعدها وهذا الأمر يبطل اعتراض من يقول بأن هذا القول هو قول العقل...
وهنا نحصل على نتيجة وهي :
1-الحديث غير صحيح إلا في حال القبول بالتأويل.
2-إن رُفض التأويل فإن الحديث عقلاً مرفوض لأنه يستلزم ديمومة البقاء في السماء الدنيا لاستمرار وجود الليل في الأرض بسبب كرويتها.
3-إن كان الحديث غير صحيح ومرفوض فهذا يبطل القول بأن أصح الكتب بعد القرآن هو كتاب البخاري ومسلم وهذا القول بالوقت ذاته يبطل تشخيص ابن تيمية لتلك الكتب وبالمحصلة النهائية فإن كل آراء ابن تيمية المبنية على تلك الكتب تكون منتفية لعدم صحة كل ما فيها كونها كتباً تحوي أحاديث صحيحة وضعيفة وموضوعة ومدسوسة ومكذوبة, ولن يبقى أمام من يعتقد بهذا الحديث إلا أمران وهما القول بالتأويل حتى يكون الحديث صحيحاً أو رفض التأويل والقول باستمرارية بقاء وجود الله في السماء الدنيا وهذا يعني انتفاء مسألة الاستواء على العرش ... فما هو قول أتباع ابن تيمية ؟ يقبلون التأويل وينزهون الله أم لا يقبلون بتنزيه الله وتقديسه ويرفضون المجاز و التأويل لأنه يخالف توحيدهم الأسطوري كما عبر عن ذلك المرجع المحقق الصرخي في المحاضرة الخامسة عشرة من بحث " وقفات مع توحيد ابن تيمية الجسمي الأسطوري ) في تعليقات له على ما قاله الدارمي احد أئمة التيمية والذي بدوره يرد وينقض على المريسي احد علماء السنة وكان يصفه بالمعارض كونه لجأ لتأويل الضحك المنسوب لله تعالى بمعاني الرحمة والمغفرة والرضا لا كما يذهب أئمة التيمية بحملهم على المعنى الحقيقي الظاهر للضحك، حيث قال :
{{... التفت جيدًا: فقط أهل اللغة والبلاغة عندهم هذه القضية واضحة فهي من مهازل المهازل! وهؤلاء هم أئّمة التوحيد ومن مهازل المهازل، واقرأوا عن هؤلاء في كتب الرجال، في كتب الجرح والتعديل، ماذا يعطون لهؤلاء من عناوين ومن قدسية ومن درجات علمية وهم بهذا المستوى من الضحالة!! أبسط الأمور العرفية اللغوية لا يعلمون بها ولا يفقهونها. فقط أريد الالتفات إلى هذا الأمر حتّى يكون الجميع على علم ويقين: في الاستخدام والاستعمال المجازي، في التأويل، فالمؤول ماذا يحتاج؟ يحتاج إلى جهة تشابه واحدة تبرّر وتصحح له المجازية والتأويل، فمثلًا تريد أن تستخدم لفظ " الأسد" لشخص معين، فإذا كان هذا الشخص شجاعًا فيصحّ أن استعمل لفظ الأسد بحقّه بلحاظ شجاعته، فأقول هذا أسد، الآن لو كان هذا الشخص بالشكل أقرب ما يكون إلى القرد – طبعاً هو مثال لتقريب الفكرة والأقرب عند الله هو الأتقى- يشبه القرد، الآن هل يحق لك الاعتراض فتقول: لا يصح استخدام الأسد بحقّ هذا الشخص لأنّه يشبه القرد؟ فهل يُعقل أن يصدر منك هذا الاعتراض؟ طبعًا لا يُعقل، فأنت إنسان عرفي وتتحدّث بالعامّية وتعرفها فأنا قلت هذا أسد بلحاظ الشجاعة فإذا كان يشبه القرد أو الكلب أو الخنزير أو الطير أو غيرها فهل توجد مشكلة هنا؟ طبعًا لا توجد مشكلة، فيا تيمية يا عقول متحجّرة، فأنتم كم تدحضون في ما تقولونَ على الآخرين، التفت جيدًا: فالمؤول والمقدّس والمنزّه ونقصد المريسي هنا - ولسنا دافعاً عنه وإنّما في هذا المقام- لاحظ جهة التشابه فصحّ عنده التأويل، صحّ عنده المجاز صحّ عنده الاستعمال وانتهى الأمر، ففي الاستعمال المجازي تكفي جهة واحدة للتشابه ويصحّ التأويل حتّى لو وجدت ملايين الاختلافات ...}}.