بقلم نوار الربيعي
عندما نقول القلوب والضمائر الميتة فلا يراد بذلك الموت الحقيقي وهو مفارقة الحياة وإنعدامها بل ما نريده هو تحول القلوب والضمائر إلى آلة تؤدي وظائف فسيولوجية فقط كنقل الدم فحسب دون أن تكون هناك مشاعر وأحاسيس وشعور بالمسؤلية إزاء الأحداث المحيطة, وما أكثر الذين ماتت قلوبهم وضمائرهم فصارت قلوبهم كالحجارة أو أشد قساوة، قال تعالى { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } البقرة74...
على طول التاريخ نجد إن وباء موت القلوب والضمائر عند البشر يصبح مستشرياً لكن سرعان ما يكون هناك العلاج الإلهي لهذا الوباء من خلال الأنبياء والرسل والأئمة " عليهم السلام " والصالحين من قيادات إسلامية عالمة عاملة, ومن الأمثلة التي لا يمكن لنا أن نتجاوزها هو الإمام الحسين " عليه السلام " وثورته الخالدة، فقد كانت تلك الثورة من أكبر وأوسع العلاجات التي قدمت لمواجهة وباء موت القلوب والضمير، فبدمه " سلام الله عليه " عالج ذلك المرض فقلب الأمور رأساً على عقب وحول المجتمعات الخاضعة الخانعة لمجتمعات إن لم تكن إصلاحية فإنها تسعى للإصلاح, حتى صارت ثورته وتضحياته على ألسنة كل رموز العالم من الشرق إلى الغرب ومن الجنوب إلى الشمال...
فثورة الحسين (عليه السلام) جعلت النفوس حيّة والقلوب عامرة بذكر الله وعبادته ، عندما ضحّى بنفسه الطاهرة ليحيي الأمم ، وينير العقول ، ويستقيم دين جدّه محمدٍ(صلى الله عليه وآله وسلم) ، فخرج مناديًا بالصلاح والإصلاح ، ضدّ الفساد والظلم والطغيان والذل والهوان ، قائلًا : لم أخرج أشرًا ولا بطرًا ولا مفسدًا ولاظالمًا ، بل خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ، آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر، وكما قال المرجع الصرخي { ... لنسأل أنفسنا عن الأمر والنهي الفريضة الإلهية التي تحيا بها النفوس والقلوب والمجتمعات هل تعلمناها على نهج الحسين ((عليه السلام)) ؟ وهل عملنا بها وطبقناها على نهج الحسين الشهيد وآله وصحبه الأطهار ((عليهم السلام))؟ وسيرة كربلاء التضحية والفداء والابتلاء والاختبار والغربلة والتمحيص وكل أنواع الجهاد المادي والمعنوي والامتياز في معسكر الحق وعدم الاستيحاش مع قلة السالكين والثبات الثبات الثبات؟...}.
فسر تلك الثورة الخالدة وتلك التضحيات الجسام للإمام الحسين " عليه السلام " بمثابة الصعقة الكهربائية التي أعادت للقلوب والضمائر حياة الإصلاح والصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورفض الظلم والفساد والطغيان والإستبداد.