بقلم : احمد المـــلا
يعترض العديد على مسألة البكاء على الإمام الحسين " عليه السلام " وعلى أحياء ذكرى واقعة الطف وسبب ذلك الإعتراض هو إما لجهل بسيط أو جهل مركب أو بسبب العناد والتعصب الطائفي ومن أجل خلق ذريعة للتكفير والقتل وسفك الدماء, لكن ومن خلال هذه السطور البسيطة سوف نبين أن البكاء على الحسين " عليه السلام " أمراً مشروعاً ولا فيه حرمة أو إبتداع كما يقول التكفيريون, فعندما يبكي خليفة من خلفاء المسلمين على شخص معين وبكاء هذا الخليفة جاء بعدما رأى أن النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " يبكي على الشخص ذاته خصوصاً وأن هذا البكاء حصل قبل موت أو قتل ذلك الشخص أي بمجرد أن علم النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " بما سيحصل من بعده على هذا الشخص من ظلم وقتل وهتك للحرمة بكاه وإنتدبه, فهل يوجد في ذلك حرمة ؟ قطعاً لا ومن يقول خلاف ذلك فهو مخالف ومعاند دون أي شك...
فهنا تكون المسألة فيها سنة نبوية سار عليها الخليفة, فالنبي " صلى الله عليه وآله وسلم " قد بكى الحسين " عليه السلام " والخليفة علي " عليه السلام " فعل ذلك الفعل أيضاً وهذا ليس ابتداعاً بل هو بحسب ما ذكرته مصادر المعترضين بحسب ما أثبت ذلك المرجع الصرخي الحسني في بحثه " الثورة الحسينية " حيث قال :
{{... على سيرة المصطفى الأمجد (صلى الله عليه وآله وسلم) سارالمرتضى(عليه السلام) ومن المجالس الـتي عقـدها أمـيرالمؤمنين (عليه السلام) كانت في نفس طفّ كربلاء وقد عقد المجلس بنفسه وكان (صلوات الله عليه) هو صاحب المنـبر حيث أخذ يرثي الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه وبكى (عليه السلام) وأبكى ، واستشهد في مجلسه بمجالس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبكاء الرسول (صـلى الله عليه وآله وسلم) على الحسين (عليه السلام) وإليك بعض ما يشير لهذا المعنى عن طريق أهل السنّة :1- أحمد بن حنبل في مسنده عن عبد الله بن نجا عن أبيه إنه سار مع علي (عليه الـسلام) ، فلمـا حـاذى نينـوى وهو(عليه السلام) منطلق إلى صفّين نادى: (صبرًا أبا عبـدالله ، صبرًا أبا عبد الله بشطّ فرات. فسئل عن ذلك فقال (عليه السلام): ( دخلتُ على رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم وهو يبكي فسألته، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): قام من عندي جبرائيـل فحدثني أن الحسين يُقتل بشطّ الفرات قال فقال : هل لك أن أشمّك من تربته ؟ قال : قلت ، نعم ، فمدّ يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها)...}}.
وهنا وبحسب هذا المورد فقط ألا يكفي أن يكون دليلاً على مشروعية البكاء على الحسين " عليه السلام " ؟ أليس علي بن أبي طالب خليفة المسلمين – بغض النظر عن كونه إماماً - ؟ ومن لم يأخذ بفعل الإمام علي " عليه السلام " فنقول له هذا رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلم " يبكي الحسين " عليه السلام " فهل لا تعترف بما يفعله الرسول ؟ أم سيكون العذر والذريعة تلك الأحاديث ضعيفة وموضوعة وما إلى ذلك من أعذار وأباطيل, وهنا نقول لهم إن كان في مصادركم ما هو الضعيف والمدسوس والموضوع وإن كان رواتكم غير ثقاة فلماذا تسمونها بالصحاح ؟ هذا من جانب ومن جانب آخر ما هي حرمة البكاء وما هو المحذور منه ؟ فهو أمر مباح ولا حرمة فيه وهنا نسأل المعترضين هل البكاء على الحسين " عليه السلام " أفضل وأكثر مشروعية ومقبولية أم البكاء على المخصي ؟ وهنا اعتذر لمقام الأمام الحسين " عليه السلام " عن هذه المقارنة لكن ذكرتها من جل إتمام الحجة والبرهان على المعاندين والمغالطين والتكفيرين وبيان الحقيقة لمن غيبت عنهم...
فقد ذكر ابن الأثير في كتابه الكامل في التاريخ ج 10/ ص 260- 452 ((ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ (628هـ) ذِكْرُ خُرُوجِ التَّتَرِ إِلَى أَذْرَبِيجَانَ وَمَا كَانَ مِنْهُمْ ... وَذَلِكَ أَنَّهُ (أنّ جلال الدين) كَانَ لَهُ خَادِمٌ خَصِيٌّ، وَكَانَ جَلَالُ الدِّينِ يَهْوَاهُ، وَاسْمُهُ قَلِجُ، فَاتَّفَقَ أَنَّ الْخَادِمَ مَاتَ، فَأَظْهَرَ (جلال الدين) مِنَ الْهَلَعِ وَالْجَزَعِ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ، وَلَا لِمَجْنُونِ لَيْلَى، وَأَمَرَ الْجُنْدَ وَالْأُمَرَاءَ أَنْ يَمْشُوا فِي جِنَازَتِهِ رَجَّالَةً، وَكَانَ مَوْتُهُ بِمَوْضِعٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تِبْرِيزَ عِدَّةُ فَرَاسِخَ، فَمَشَى النَّاسُ رَجَّالَةً... ثُمَّ لَمْ يُدْفَنْ ذَلِكَ الْخَصِيُّ، وَإِنَّمَا يَسْتَصْحِبُهُ مَعَهُ حَيْثُ سَارَ، وَهُوَ يَلْطُمُ وَيَبْكِي )) !! فهذا إمام من أئمة المعترضين ومن سلاطينهم ومن زعامات وقيادات الدول الأيوبية المقدسة يبكي ويلطم وينوح على خادم خصي فأين الحرمة في البكاء ؟ أم إن القضية عندما تصل آل البيت عليهم السلام يكون كل شيء محرم وبدعة ؟ وأختم بتعليق المحقق الصرخي على هذا المورد من كتاب ابن الأثير خلال المحاضرة السابعة والأربعون من بحث " وقفات مع توحيد ابن تيمية الجسمي الأسطوري " حيث قال : الحمد لله وجدنا المشروعيّة على البكاء واللطم على الإمام الحسين (عليه السلام)!!! وأخذناها مِن الرب الأمرد!!! أخذناها مِن ابن تيمية وربّ ابن تيمية وإمام وخليفة ابن تيمية ومِن أمير المؤمنين وإمام المسلمين جلال الدين الذي كان يلطم ويبكي على الخصي!!! وهذه مشروعيّة البكاء واللطم على الأموات!!! والحمد لله ربّ العالمين إنّنا حصلنا على الدليل!!!.