بقلم د.جلال حسن الجنابي
وصف الله سبحانه وتعالى نفسه الرحيم الرؤوف وأمرنا أن نتخلق باخلاقه وعند الاطلاع على سيرة الانبياء نجد للبكاء مساحة كبيرة في حياتهم فهم يبكون شوقا وخوفا من الله ويبكون على من يؤلمهم حاله من قومهم كاليتيم وغيره وهذا نبي الله يعقوب يبكي ولده وهو يعلم أنه حي قال تعالى ( وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ) قال رسول الله ( صلى الله عليه واله) : إن الله عز وجل رحيم يحب كل رحيم.
وقد ذم القساوة والخشونة ومدح الرحمة واللين قال تعالى(فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر..)ال عمران 159
ومن اللين والرحمة البكاء على الحسين الذي بذل نفسه للسيوف والرماح من أجل تثبيت دعائم دين الله و من اجل أن يكتسب الاخرين الايمان والتقوى والتعلق بالله والالتزام باوامره وإجتناب نواهيه والابتعاد عن عبادة الاشخاص وطاعتهم في معصية الخالق بل بذل نفسه وأولاده وأهل بيته وأصحابه الخلص وكل ما يملك من أجل البشرية جمعاء لكي تحيى بكرامة وتتخذ منه قدوة حسنة لرفض الباطل والظلم فالبكاء عليه شوقا له لأنه قٌتل من أجلنا وحزنا على ما نزل عليه من ظلم وبين هذا وذاك إستذكار كل موقف وفعل وموعظة ومقولة ووصية وأدلة علمية طرحها في وجوب رفض الظالم وإن تَنَصّب خليفة حيث وضع الوضّاعون بعدم الخروج عليه وإن كان فاسدا. فيُعجَن رقة القلب بالبكاء مع العلم والدليل بالنهج الرسالي المثالي والموعظة والحكمة والايثار وغيرها من أنوار الهداية فنحصل على دروس هداية في مدرسة المجالس واستذكار الحسين الشهيد أبن بنت رسول الله. وقد ذكرالاستاذ المحقق الصرخي في بحثه "الثورة الحسينية" بما يستدل خلاله على مشروعية الحزن والبكاء وعقد المجالس وبمصادر سنية وشيعية وهذا مقتبس منه (تــصدّى الأئمـة المعصومون(عليهم السلام) لتربية الأجيال وتحقيق الأهداف،وقد جعلوا المنبر الحسيني الوسيلة الرئيسية في تلك التربيـة الرسالية الإلهية ، فقد عقدوا المجالس وأرشدوا الناس إلى مايترتب عليها من آثار في الدنيا والآخرة ، وإليك بعض مـايشير إلى سيرة المعصومين (عليهم السلام) في إحيـاء ثـورة الحسين (عليه السلام) وواقعة الطفّ- الإمام الصادق(عليه السلام) يأمر بالإنـشاد الرقيـق
المشجي، فعن ابن هارون المكفوف قال : دخلت علـى أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) فقال (عليه السلام): (يا أبـا هارون أنشدني في الحسين) قال أبو هارون: فأنشدته فلم يعجبه الإنشاد لخلوّه من الرقة الشجية فقال (عليه السلام) : ( لا ) أي ليس بهذه الطريقـة (بل) كما تنشدون وكما ترثيه عند قبره.قال أبو هارون : فأنشدته حينئذٍ : امرر على جدث الحسين .......فقل لأعظمه الزكية قال أبو هارون : فبكى(عليه السلام) ثم قال(عليه السلام):(زدني) فقال أبو هارون : فأنشدته القصيدة الأخرى: يا مريم قومي واندبي مولاكِ.....وعلى الحسين أسعدي ببكاكِ.قال أبو هارون : فبكى الصادق (عليه السلام)
ومن هنا أستشعر المارقة خطر عقد المجالس و البكاء على الحسين عليه السلام لانه يكشف زيف أعدائه وفسادهم وقسوة قلوبهم وإنحرافهم عن نهج الاسلام الاصيل فوضعوا الاحاديث وفسروا الاخرى على هواهم وخاضوا كثيرا في هذا المجال بلغة التشويش والخلط لابعاد المسلمين عن مدرسة الحسين ونهجه القويم فعلى جميع المسلمين وغيرهم من الديانات الاخرى التجرد من عصبية الاديان الجاهلية والاطلاع والاخذ من مدرسته الهادية الى مرضاة الله والفوز بالسعادة الاخروية