أن تضيء شمعةً خيرٌ من أن تلعن الظلام ألف مرة
============================
كثُر الكلام حول الشعائر الدينيّة، وأختلفت أطرافه في البحث بين النقض والإبرام، والتأييد والانتقاد ، فمنها: ما يُثار من قِبَل أتباع بعض الفِرق الإسلاميّة حول إحياء المواليد والذكريات، حيث ينتقدون المظاهر لإحياء المواليد ومراسم الاحتفالات والمناسبات الدينيّة العامّة، ويطعنون عليها بأنّها مُستحدَثة، وكلّ مستحدَث بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النار.والبعض الآخر حول مسألة بناء القبور وعمرانها وتَعاهُدها، ومن المعلوم أنّ أتباع بعض الفِرق يحاربون ظاهرة عمران القبور وتعاهدها، ويتّهمون زوّارها بالضلال، بل يُكفِّرون عُمّارها حتّى لو كانت تلك القبور هي قبور النبي صلىاللهعليه وآله ، وأهل بيته الطاهرين (عليه السلام).وتُثار الشكوك ويتوجّه الطعن حول تكريم تلك البقاع
بعموم الحديث النبوي:(لا تُشدّ الرِّحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول، والمسجد الأقصى) .لذا نجد المحاولات الحثيثة والمستمرّة لطمس تلك الآثار المكانيّة والمواقع الجغرافيّة، في المدينة المنوّرة، وفي مكّة المكرّمة، أو في كل مكان يحوي اثراً مقدساً ...
ومما تعرضت لمثل هذه التهكمات والآتهامات والأنتقادات هي الشعائر الحسينيّة " وقد ابتُليت الشعائر الحسينية بقوم من الدخلاء على النقد، نصَّبوا أنفسهم أسيادًا على الرأي وجعلوا أهواءهم مصادر للأحكام، وهم قوم تنقصهم الثقافة النقدية حتى في أبسط صورها ...والحقّ أنّ جانبًا مما يتصل بالمجالس والشعائر الحسينية بحاجة إلى التعديل والتهذيب والتطوير، وفي عملية التعديل والتهذيب والتطوير لا بدّ من النقد، ولكن شتّان بين ناقد مخلص خبير، وبين متعدٍّ مدّع دخيل.
ولعل اكثر مايثيره الآخرون من إنتقاد حول الشعائر الحسينية " هو لماذا لاتُقام في يوم واحد بدلاً من إقامتها عشرة ايام ؛ يتناسون ان من أهداف إقامة الشعائر تجذيرَ الارتباط بآل بيت النبوّة (عليهم السلام)، وترسيخَ قيم الثورة في النفوس… وهذه الأمور تحتاج إلى تذكير وتنويع وتكرار, ولا يمكن تحصيلها بالاقتصار على إقامة الذكرى في يوم واحد أو يومين. بالأضافة الى أن أحيائها جماعياً لهُ غاياته منها تعميق الصلات بين المؤمنين المشاركين في إقامتها، ومن غاياتها أيضا التوظيف الاجتماعي لثورة كربلاء…، وهي غايات يتوقف تحققها على المشاركة الجماعية ويستحيل بلوغها بالعزلة والإحياء الفردي..ومنها تهيئة الاذهان والافكار والانفس نحو كل قضية إسلامية حقة في عالمنا المعاصر وتوظيف المجتمع نحو الانتصار لها وهو أمتداد لنهظة الحسين وثورته الحرة .
الأمر الاخر الذي يٌثار هنا وهناك هو الأستهجان حول ظاهرة البكاء وذرف الدموع داعين ذلك الى الأقتصار على اقامة الندوات والحوارات والمؤتمرات ! متناسين او جهلاً أن الغاية من إقامة الشعائرالحسينية هو تأكيدَ الإرتباط العاطفي والتفاعل الوجداني بين المشاركين بكل مستوياتهم وبين الثورة الحسينية وما تحمله من أهداف، وأن الأمر لا يقتصر على التفاعل الفكري والوعي السياسي فقط بل يشمل كل الجوانب .
فليت الدخلاء على نقد الشعائر الحسينية يفقهون ؛فيقلَّوا من اللوم وينجزوا بدلاً من ذلك شيئاً من العمل متبعين قول دعاة الحق وأهله وكما وصفه المرجع الصرخي في بيانه رقم 69 محطات في مسير كربلاء ..كي نكون صادقين في حب الحسين (عليه السلام) وموالاته ، وإلا ففي النفاق ومع المنافقين والعياذ بالله (.فلا نكون من الأمة التي قعدت عن الأمر والنهي والنصح والوعظ فصارت فاسقة وظالمة وأخذها الله تعالى بعذاب بئيس...ولا نكون من الأمة التي عملت السيئات ولم تنته ولم تتعظ فعذبها الله تعالى وأهلكها وأخذها بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون فقال لهم الله كونوا قردة خاسئين،قال العزيز الحكيم:
{ لَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ } الأعراف/165-166.
وهنا لابد من الاشارة الى أن النقطة الجوهرية التي لابد من ذكرها ان المشكلات التي تعاني منها الشعائر الحسينية في جانبها الإجتماعي إنما هي نتيجة الحالة الاجتماعية العامة وليست سبباً لها ؛ والأ فإن من الظلم أن يعمد المنتقدون للشعائر الحسينية وعزلها عن محيطها والقاء اللوم عليها وجعلها العلة المسببة لما يعانيه المجتمع من مشكلات او الايحاء اليها ..فلو تمعن والتفت الكثير لما آل او تؤول اليه الامور لوجدوا ن المآخذ التي يثيرونها تشكل سمة عامة من سمات المجتمع, ولا تقتصر على الشعائر الحسينية بالخصوص, فحال الشعائر والمجالس من هذه الجهة لا تختلف عن حال الجامعة والمستشفى والإدارة العامة والهيئة الثقافية والسلطة السياسية… وإن المرء ليواجه في كل آنٍ ما تعانيه هذه البنى والمؤسسات من مشكلات في الإدارة وطريقة التعامل ؛ وإنما يكمن الحل في تغيير الروحية العامة السائدة, ثم وكنتيجة لذلك سوف تظهر آثار التغيير في كل زاوية من زوايا المجتمع.
وليت المشككون والمنتقدون لو يفقهوا وينجزوا على أرض الواقع بدلاً من النقد الغير مبرر متبعين الحكمة القائلة (أن تضيء شمعةً خيرٌ من أن تلعن الظلام ألف مرة).
ـــــــــــــــــ
هيام الكناني