بقلم :قيس المعاضيدي
إن ذكرت مفردة السلطة والحكم إلا وتبادر للذهن العظمة والخدم والحشم والتسلط والاستيلاء على كل مقدرات الناس وله اليد الطولى في كل شيء ،وكل شيء مباح له وتحت تصرفه ، وهذا ما تناوله المؤلفين وكتاب الدراما والروائيين ومؤلفي القصص .وما أن تشاهد مسلسل تلفازي فترى من المتنفذ والآمر والناهي والآكل والشارب والمتزوج وصاحب الجواري هو الحاكم والناس الفقراء خدم له والإعلام له والسلطة له والباقين في عينه صغار وإعلامه المتملق وأمواله يشتري به ذم ويهدد به من يعارضه .وعند قراءة التأريخ نرى أغلب هؤلاء هم من يقتلون ودماء الآخرين رخيصة لهم وعند ملاقاة العدو نلاحظ التخاذل والخيانة .وهذا مع الأسف هو من تسلط عليه الأضواء ويمتدح ويمجد به من قبل من يلهث وراء فتات موائده من تيميات وامعات وصغار وأذلاء الملك والأمثلة كثيرة . أليس كذلك ؟
وهذا المنحى من الرغبة في الكرسي أخذ أعتى الوسائل للحصول عليه أو الاحتفاظ به وقرانا من انقلابات وقتل وسيل من الدماء ومن تحالف مع الغير ضد أخيه أو ضد أباه أو العم الملك ضد ابن أخيه وسنتناول بعض ماكتبه ابن الأثير كمثال على قلناه لكم وبعض ماحقق حول ذلك .ففي سنة (626هـ): الكامل10/(434): [ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ (626هـ)]: [ذِكْرُ تَسْلِيمِ الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ إِلَى الْفِرِنْجِ]: قال (ابن الأثير): {{فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَوَّلَ رَبِيعٍ الْآخِرِ، تَسَلَّمَ الْفِرِنْجُ -لَعَنَهُمُ اللَّهُ- الْبَيْتَ الْمُقَدَّسَ صُلْحًا، وَسَبَبُ ذَلِكَ: 1..2..7ـ فَسَارَ (الأشرف) إِلَى دِمَشْقَ، وَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ الْمَلِكِ الْكَامِلِ فِي الصُّلْحِ، فَاصْطَلَحَا وَاتَّفَقَا، وَسَارَ الْمَلِكُ الْأَشْرَفُ إِلَى الْمَلِكِ الْكَامِلِ وَاجْتَمَعَ بِهِ. 8ـ فَلَمَّا اجْتَمَعَا، تَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْأَنْبرورِ مَلِكِ الْفِرِنْجِ دَفَعَاتٍ كَثِيرَةً، فَاسْتَقَرَّتِ الْقَاعِدَةُ عَلَى أَنْ يُسَلِّمُوا إِلَيْهِ الْبَيْتَ الْمُقَدَّسَ وَمَعَهُ مَوَاضِعُ يَسِيرَةٌ مِنْ بِلَادِهِ، وَيَكُونُ بَاقِي الْبِلَادِ مِثْلُ الْخَلِيلِ، وَننَابُلُسِ، وَالْغَوْرِ، وَمَلَطْيَة، وَغَيْرُ ذَلِكَ بِيَدِ الْمُسْلِمِينَ. 9ـ وَلَا يُسَلَّمُ إِلَى الْفِرِنْجِ إِلَّا الْبَيْتُ الْمُقَدَّسُ وَالْمَوَاضِعُ الَّتِي اسْتَقَرَّتْ مَعَهُ. 10ـ وَكَانَ سُورُ الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ خَرَابًا [قَدْ] خَرَّبَهُ الْمَلِكُ الْمُعَظَّمُ، وَقَدْ [ذَكَرْنَا] ذَلِكَ. 11ـ وَتَسَلَّمَ الْفِرِنْجُ الْبَيْتَ الْمُقَدَّسَ، وَاسْتَعْظَمَ الْمُسْسْلِمُونَ ذَلِكَ وَأَكْبَرُوهُ، وَوَجَدُوا لَهُ مِنَ الْوَهْنِ وَالتَّأَلُّمِ مَا لَا يُمْكِنُ وَصْفُهُ}}
ومن حقق وعلق حول ذلك الأستاذ المحقق الصرخي وهو يصف حال من يتملق للحكام ويدفن الحقائق ليضلل بها الناس ولكن كلام التيمية لا ينطلي إلا على الجهال وفاقدي العقول .ومن تنبه ونبه الناس ضد أكاذيب المارقة التيمية .هو الأستاذ المحقق حيث قال : [أقول: حاول ابن الأثير تخفيف المصاب والتقليل مِن قبح الجريمة والخيانة العظمى التي ارتكبها أبناء الملك العادل، فقدَّم مبرِّرات خيانة بيت المقدس والمقدَّسات الإسلاميّة: أ..ب.. ح- ثم ذكر (ابن الأثير) في سياق الكلام صراعات السلطة والمال المستحكَمة في بيت الملك العادل كما كانت مستحكَمة في بيوتات الأيوبيين السابقين والتي هي مستحكَمة أصلًا في كلّ سلطنات المماليك التي سيطرتْ على مقاليد الحكم في بلاد الإسلام والمسلمين!!!..ل..]
وفي الختام هل تقلد رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم منصباً وتشبث به ؟ هل فعل النبي كما فعل من يتمسك بالسلطة ؟ هل سلب حقوق الناس ؟ وإنما أسس مدرسة للأخلاق والصفات الحميدة وتخرج من مدرسته رجال كل همهم الدفاع عن حقوق الناس وصيانتها والسهر على راحتهم ، ولم تغمض عيونهم وكان هنالك مظلوم وبالإضافة إلى ذلك أشداء على الأعداء رحماء بينهم .