لعل أبرز العورات التي كشف عنها الدواعش والفكر الإرهابي تحت يافطة الإسلام في مجتمعاتنا هو ما يسمى بالإسلام السياسي، والكلام عن الإسلام السياسي كمفهوم متداول ضمن سياقات المصالح والمكاسب السياسية والسلطوية مع ما تحمل في بوتقتها من مقايضات ومساومات وتسويات تفرضها البراغماتية والمكيافيلية السياسية هي أبعد ما يكون عن الإسلام الحقيقي كدين حنيف رؤوف بالإنسان و يقوم على المحبة والتسامح والإنفتاح والسلام.
فهذا الإسلام السياسي لطالما أساء إلى جوهر الدين الإسلامي الذي انزله رب العالمين رحمة ورأفة للبشر قاطبة، فكما المسيحية السياسية التي استخدمها الصليبيون ومن بعدهم الأنظمة الإمبريالية في غزواتهم وحروبهم الإستعمارية غير آبهين برسالة المحبة والإنسانية المسيحية التي تشظت وتضررت كثيرا جراء هذا التوطيف السياسي الخاطئ للدين المسيحي في مشاريع سياسية لا تمت بصلة إليه، كذلك هو الأمر مع ما يسمى بالإسلام السياسي في الدين الإسلامي.
فمع انتهاء عصر الخلفاء الراشدين ابتعدت الدولة الإسلامية عن روحية الإسلام الحقيقية في العدل والمساواة وإحقاق الحق بين المحكومين، فبعد أن كان الحكم في عهد الخلفاء الراشدين يتسم بالعدل والزهد واعتماد المشورة وانتقال السلطة تحول مع قيام الدولة الأموية إلى دولة الملك والقهر والغلبة التي ترتكز سلوكياتها عى النمط والنسق الملكي المستبد الذي يورث ويتميز بسلطة الحاكم المطلقة وتفرده بقيادة السلطة والإستئثار بالحكم والهيمنة على كافة مفاصل الدولة هذا فضلاً عن مظاهر البذخ والترف والرفاهية الموجودة في أي ملكية أو امبراطورية عرفتها العصور الغابرة.
وبالتالي لا شرعية لأي دولة تتخذ من الإسلام عنوانا وشعارا لها طالما أنه يعتريها شذوذا وخروجا عن القيم والمفاهيم والمبادئ التي سادة دولة الخلفاء الراشدين التي انقضت بعد الإنقلاب الأموي الذي وضع حدا لتلك الممارسة التي اختفت مع التاريخ والتي لم يعد لها وجود سوى من الناحية المبدئية والنظرية. وما يجري اليوم من حراك أصولي متشدد هو أبعد ما يكون عن قيم ومفاهيم ومبادئ الدولة الإسلامية التي طواها الزمن ولم يعد لها وجود واقعي منذ انتهاء عصر الخلفاء الرشدين وكل من يتم التنظير له على صعيد الدولة الإسلامية هو شذوذ وانحراف وتشويه لصورة الإسلام ولمفهوم الدولة الإسلامية التي لا مجال لتكرارها ضمن اسقاطات التكفير وممارسة الاكراه المرتدة والبعيدة كل البعد عن نمط الحياة والنموذج الثقافي اللذين أسسهما الإسلام الحقيقي في كنف دولة الراشدين التي كانت العدالة المحدد الأساسي لشرعيتها وأهليتها في ممارسة شؤون الحكم والسلطة، ومثل هذه الدولة لا مجال لتكرار تجربتها لا في الشكل ولا في المضمون ولا على مستوى القيادات والشخصيات والمؤهلات والخبرات السياسية والفقهية.
وهنا وقفة للمحقق الصرخي الحسني على هذا الإسلام المزيف السياسي ضمن سلسلة محاضراته العقائدية التاريخية جاء فيها :
روي عن البخاري (لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة ، كلهم تجتمع عليه الأمة)
وقد اختلف العلماء في تعيين الاثنى عشر خليفة المذكورين في الحديث وارجح الاقوال في ذلك ما قاله القاضي عياض رحمه الله ويحتمل ان يكون المراد ان يكون الاثنا عشر في مدة عزة الخلافة وقوة الاسلام واستقامة اموره والاجتماع على من يقوم بالخلافة ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم في بعض الطرق (كلهم تجتمع عليه الامة ) انتهى كلام البخاري
وهنا تعليق للمحقق الصرخي الحسني حيث يقول :
هل عزة الخلافة بالاجرام والارهاب فممكن أي حكومة من الحكومات الدكتاتورية تثبت عندها القوة والعزة فإذاً نقول عزة الخلافة تثبت عزة الحكومة تثبت وإرهاب الحكم يثبت وقوة الإسلام واستقامة أموره والاجتماع على من يقوم بالخلافة ، اذا كيف تتحقق قوة الإسلام ؟هل بالبطش والإرهاب والمكر والتأمر والتدخل في شؤون الدول وشن الحروب والتأسيس للقتال بين الشعوب ؟وكيف تستقيم أمور الدين أو أمور الإسلام ؟