من يريد أن يعرف حقيقة شخص ما من الناحية الفكرية والعقدية والسياسية وأي جانب آخر فعليه وكما يقال ( أن يسمع منه لا أن يسمع عنه ) فعند تقييم شخص يجب أن يكون هذا التقييم نابع من خلال المخالطة والمشاهدة وسماع الرأي مباشرة وليس من خلال الاكتفاء بجلب المعلومات عنه من المحيط الخارجي و الاكتفاء بالسماع عنه, فهذا الأمر سيعطي تقييما غير تام, لأن أي شخص مهما كان عنوانه يوجد لديه أعداء ومبغضين ولنا في الأنبياء والرسل خير شاهد وأوضح دليل على ذلك هو نبينا الخاتم محمد " صلى الله عليه وآله وسلم" فهناك يتهمه - حاشاه الله - بشتى التهم فقالوا عنه مجنون, ساحر, كذاب, وهذه التهم مستمرة إلى يومنا هذا, وهي قائمة عن السماع عنه وليس السماع منه.
الغرض من هذه المقدمة التوضيحية هو إيصال فكرة إلى كل أتباع الفكر التيمي التكفيري الداعشي ممن اكتفى بالسماع عن إبن تيمية ولم يسمعوا منه, فإبن تيمية كان من أشد المبغضين لآل البيت " عليه السلام " والمعروفين عند جميع المسلمين بالأئمة الإثنا عشر, ومن بينهم الإمام جعفر الصادق " عليه السلام " الذي تتلمذ على يديه العديد من أئمة الدين ورموزه وأئمة المذاهب الإسلامية ومن أبرزهم الإمام أبو حنيفة النعمان, فهناك من يحاول أن يجمل صورة ابن تيمية ويقول بأنه كان يدافع عن الأئمة الإثنا عشر ومن بينهم الصادق " عليه السلام " واكتفوا بنقل بعض الآراء التي جاء بها ابن تيمية لغرض تكفير الشيعة الإمامية, بينما هو في حقيقة الأمر من أشد المبغضين له ولباقي الأئمة " سلام الله عليهم " إبتداءً من الإمام علي " عليه السلام " وإنتهاءً بالإمام المهدي " عليه السلام " ويرى إن كل من يقول بإمامتهم " سلام الله عليهم " فهو في غاية الجهل ولا يرى في إمامتهم عزة ومنعة للإسلام !!ويتهم كل من يدخل الإسلام ويصبح من الشيعة الإمامية بأنه كان يهودياً !!.
حيث يقول إبن تيمية في كتابه منهاج السنة " ج8 / ص 173-174 " (( ومن ظن أن هؤلاء الاثنى عشر هم الذين تعتقد الرافضة إمامتهم فهو في غاية الجهل ...(...)... وأيضا فالإسلام عند الإمامية هو ما هم عليه ، وهم أذل فرق الأمة ، فليس في أهل الأهواء أذل من الرافضة ، ولا أكتم لقوله منهم ، ولا أكثر استعمالا للتقية منهم ، وهم على زعمهم شيعة الاثني عشر ، وهم في غاية الذل ، فأي عز للإسلام بهؤلاء الاثني عشر على زعمهم ، وكثير من اليهود إذا أسلم يتشيع ؛ لأنه رأى في التوراة ذكر الاثني عشر ، فظن أن هؤلاء هم أولئك ، وليس الأمر كذلك بل الاثنا عشر هم الذين ولوا على الأمة من قريش ولاية عامة ، فكان الإسلام في زمنهم عزيزا ، وهذا معروف ))...
ونلاحظ هنا كيف إن أبن تيمية ينكر إمامة الأئمة الإثنا عشر ومن بينهم الإمام الصادق " عليه السلام " فهو ينكر إمامتهم ونحن نلاحظ إن كلامه لا يخص الخلافة بل الإمامة ونذكر هذا الأمر حتى نقطع الطريق أما من يريد أن يبرر لإبن تيمية ويقول إنه يتحدث عن الخلافة أو يريد بكلامه عنوان الخلافة وليس الإمامة, وكما نلاحظ كيف يتهم من يقول بإمامتهم " سلام الله عليهم " بأنه يهودي !! وهذا الكلام ينطبق على الإمام الصادق " عليه السلام " ومن يقول بإمامته ومن درس عنده وهذا يشمل كل أئمة المذاهب والفرق الإسلامية ممن تتلمذ ودرس عن الصادق " عليه السلام " فهل ياترى إبن تيمية يتهم ابو حنيفة النعمان باليهودية لأنه قال بإمامة الصادق ؟ وهل يتهمه بالجهل لأنه يقول بإمامة الصادق " عليه السلام " الذي هو واحد من الإثنتا عشر إماماً ؟؟!!.
ومن يقول إن أبا حنيفة النعمان لم يدرس عن الصادق " عليه السلام " ولم يشهد له بالأعلمية والأفقهية والإمامة نرد عليه بما ذكره المرجع الديني العراقي السيد الصرخي الحسني في محاضرته الخامسة عشرة من بحث ( الدولة المارقة في عصر الظهور منذ عهد الرسول " صلى الله عليه وآله وسلم ") حيث ذكر المرجع الصرخي العديد من الشواهد التي تثبت إن النعمان شهد بافقهيّة وأعلمية الإمام الصادق " عليه السلام " وهي :
{{{ أ- قال أبو حنيفة: ما رأيت أفقه مِن جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، لمّا أقدمه المنصور بعث إليّ فقال: يا أبا حنيفة، إنّ الناس قد فُتِنوا بجعفر بن محمد (عليه السلام)، فهيئ له مِن المسائل الشداد، فهيّأت له أربعين مسألة، ثم بعث إليّ أبو جعفر (المنصور) وهو بالحيرة فأتيته، فدخلت عليه، وجعفر بن محمد (عليه السلام) جالس عن يمينه، فلمّا بَصُرت به، دخلتني مِن الهيبة لجعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) ما لم يدخلني لأبي جعفر المنصور، فسلَّمت عليه، وأومأ إليّ، فجلست، ثم التفتَ إليه فقال: يا أبا عبد الله، هذا أبو حنيفة، قال جعفر (عليه السلام): نعم، ثم التفت المنصور إليّ فقال: يا أبا حنيفة ألقِ على أبي عبد الله مسائلك، فجعلت أُلقي فيُجيبني، فيقول (عليه السلام): أنتم تقولون كذا، وأهل المدينة يقولون كذا، ونحن نقول كذا، فربما تابعنا، وربما تابعهم، وربما خالفنا جميعًا، حتى أتيت على الأربعين مسألة، ثم قال أبو حنيفة: ألسنا روينا أنّ أعلمَ الناس أعلمُهم باختلاف الناس}} المناقب:مناقب أبي حنيفة1:الموفِّق المكي//تذكرة الحفّاظ1: الذهبي.
ب- أبو نعيم:...عن عبد الله بن شُبْرُمة قال: {{دخلت أنا وأبو حنيفة على جعفر بن محمد (عليه السلام) قال لابن أبي ليلى: مَنْ هذا معك؟ قال: هذا رجل له بَصَرٌ ونفاذٌ في أمر الدين، قال (عليه السلام): لعلّه يَقيس أمرَ الدين برأيه؟ قال: نعم، قال: فقال جعفر (عليه السلام) لأبي حنيفة: ما اسمك؟ قال: نعمان قال: يا نعمان هل قستَ رأسَك بعد؟ قال: كيف أقيس رأسي؟ قال (عليه السلام):هل علمت ما الملوحة في العينين، والمرارة في الأذنين، والحرارة في المنخرين، والعذوبة في الشفتين؟ قال: لا، قال (عليه السلام): فهل علمت كلمة أوّلها كفر وآخرها إيمان؟... فقال ابن أبي ليلى: يا ابن رسول الله أخبرنا بهذه الأشياء التي سألته عنها، فقال (عليه السلام): أخْبَرَني أبي عن جَدّي، أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: {إنّ الله (تعالى) - بمنّه وفضله- جعل لابن آدم الملوحة في العينين؛ لأنّهما شحمتان, ولولا ذلك لذابتا، وإنّ الله (تعالى)- بمنّه وفضله ورحمته على ابن آدم- جعل المرارة في الأذنين حجابًا مِن الدواب، فإن دخلت الرأس دابة والتمست إلى الدماغ، فإذا ذاقت المرارة، التمست الخروج، وإنّ الله (تعالى)- بمنه وفضله ورحمته على ابن آدم- جعل الحرارة في المنخرين يستنشق بهما الريح، ولولا ذلك لأنتن الدماغ، وإنّ الله (تعالى)- بمنه وكرمه ورحمته لابن آدم- جعل العذوبة في الشفتين يجد بهما استطعام كلّ شيء, ويسمع الناس بها حلاوة منطقه}... ثم أقبل (عليه السلام) على أبي حنيفة فقال: يا نعمان حدَّثَني أبي، عن جدّي، أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: {أوّل مَن قاس أمر الدين برأيه إبليس، قال الله (تعالى) له: اسجد لآدم، فقال {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} الأعراف:12/ص:76، فمَن قاس الدين برأيه، قرنه الله (تعالى) يوم القيامة بإبليس، لأنّه اتبعه بالقياس}... اتَّقِ الله، ولا تَقِس الدين برأيك}} شرف أصحاب الحديث: البغدادي// ذم الكلام: إسماعيل الهروي// الحلية: أبو نعيم// أخبار القضاة: وكيع القاضي// العظمة: أبو الشيخ// ابن خلكان: ترجمة جعفر الصادق// ابن القيم: أعلام المُوَقّعين: حجج مانعي القياس// الزبير بن بكار: الأخبار المُوفَّقيّات// الفقه والمتفقه: الخطيب البغدادي// الفوائد: تمام الرازي.
جـ- قال الآلوسي: {{هذا أبو حنيفة (رضي الله تعالى عنه) وهو بين أهل السنة، كان يفتخر ويقول بأفصح لسان: {لولا السنتان لهلك النعمان}، يريد السنتين اللتين صحَبَ فيها (لأخذ العلم) الإمامَ جعفر الصادق (عليه السلام)، وقد قال غير واحد مِن الأجلّة: إنّه أخذ العلم والطريقة مِن هذا الإمام، ومِن أبيه الإمام محمد الباقر، ومِن عمّه زيد بن علي بن الحسين (رضي الله تعالى عنهم وعليهم السلام)}} صب العذاب على مَن سب الأصحاب: الآلوسي:157.
د- قال العلاّمة عبد الحليم الجنيدي في كتابه (الإمام جعفر الصادق 162 ): {{انقطع أبو حنيفة إلى مجالس الإمام [أي الصادق (عليه السلام)] طوال عامين قضاهما بالمدينة، وفيهما يقول: {لولا العامان لهلك النعمان}، وكان لا يخاطب صاحب المجلس إلاّ بقوله: {جعلت فداك يا ابن بنت رسول اللّه}، وقال في ص 162 : ولئن كان مجدًا لمالك أن يكون أكبر أشياخ الشافعي، أو أن يكون الشافعي أكبر أساتذة ابن حنبل، أو مجدًا للتلميذين أن يتَتَلمَذا لشيخيهما هذين؛ إنّ التلمذة للإمام الصادق (عليه السلام) قد سَربَلَت بالمجد فقه المذاهب الأربعة لأهل السنة، أمّا الإمام الصادق، فمجده لا يقبل الزيادة ولا النقصان، فالإمام مبلّغ للناس كافة علم جدّه (عليه وعلى آله الصلاة والسّلام)...}}الإمام الصادق: الجنيدي (عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وعضو مجمع الفقه الإسلامي (المؤتمر الإسلامي) بجدة.}}}.
وأتصور الآن أصبح الأمر واضحاً عند كل من سمعٍ عن إبن تيمية ممن يجملون صورته, فننصحهم بالسماع منه وقراءة كل ما صدر منه بعقل وتدبر وفكرٍ واعٍ وإن لا يُخدع ببعض الكلمات التي تصدر من بعض ممن يحاول أن يزوق ويجمل صورة شيخ التكفير إبن تيمية والتي اختيرت بإنتقائية وبشكل محكم حتى يخدعوا بها كل من يريد أن يعرف حقيقة إبن تيمية بالسماع عنه وليس بالسماع منه أي بالإطلاع المباشر عن كل ما صدر منه من آراء وأفكار في كتبه وبحوثه وغيرها, حتى يكون التقييم لهذه الشخصية تام ومبرئ للذمة.
بقلم :: احمد الملا