سأل الثعلب جَمَلا واقفاً على الضفة الأخرى من النهر، إلى أين يصل عمق ماء النهر ؟ فأجابه الجمل: إلى الركبة؛ قفز الثعلب في النهر، فإذا بالماء يغطيه، سعى جاهداً أن يخرج رأسه من الماء بجهدٍ مضنِ!!وبمشقة استطاع أن يقف على صخرة في النهر، وما إن التقط بعض أنفاسه اللاهثة صرخ في وجه الجمل قائلاً : ألم تقل أنّ الماء يصل إلى الركبة؟! قال نعم يصل إلى ركبتي!!...
بصرف النظر عن العبرة الموجودة في هذه الحكاية نحن نلاحظ وبكل وضوح أن هناك فرقاً كبيراً بين البنية الجسمانية للكائنات الحية والمخلوقات من حيث الشكل والهيأة وحتى التي تتشابه في شكلها ومظهرها الخارجي تجد هناك فرقاً في الحجم, كما في القصة فحجم ساق الجمل يختلف عن حجم ساق الثعلب, ولهذا كان وصف الجمل لعمق الماء بأنه يصل إلى الركبة قد أوقع الثعلب في مأزق كان قد يؤدي بحياته...
الشاهد من هذه القصة وهذه المقدمة هو؛ إذا كانت المخلوقات في حالة تفاوت وإختلاف في خلقها فكيف يتشابه الخالق مع المخلوق؟! وفي حال التشبيه ألا يعتبر ذلك تجسمياً للخالق وتشبيهاً بمخلوقاته؟! إذ نجد أن إبن تيمية الذي يدعي التوحيد والتنزيه للرب قد شبه الله سبحانه وتعالى بمخلوقاته وجسمه وجزئه وجعل له أعضاءً ومفاصلاً وجعل صورته تشبه صور مخلوقاته !!...
يقول ابن تيمية في كتاب " بيان تلبيس الجهمية الجزء السابع " مستدلاً بنقض الدارمي وهو من أئمة وشيوخ المجسمة التيمية على روايات الرؤية والرؤيا على المريسي ((قال الدارمي في كتاب النقض على المَريسي: {{وَذَكَرَ الْمُعَارِضُ أَيْضًا... عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: {يَقُولُ دَاوُدُ (عليه السلام) يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَدْنِنِي، فَيُقَالُ لَهُ: ادْنُهْ، فَيَدْنُوَ حَتَّى يَمَسَّ رُكْبَتَهُ}، فَادَّعَى الْمُعَارِضُ أَنَّ تَأْوِيلَهُ: {أَنَّهُ يُدْنِيهِ إِلَى خَلْقٍ مِنْ خَلْقِهِ، ذِي رُكْبَةٍ حَتَّى يَمَسَّ رُكْبَةُ دَاوُدَ رُكْبَةَ ذَلِكَ، قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتَقَرَّبَ إِلَيْهِ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ}، فَلَوْ كَانَ لِهَذَا الْمُعَارِضِ مَنْ يَقْطَعُ لِسَانَهُ كَانَ قَدْ نَصَحَهُ، وَيْلَكَ، أَيُّ زِنْدِيقٍ تَرْوِي عَنْهُ هَذِهِ التَّفَاسِيرَ وَلَا تُسَمِّيهِ؟... أَيُّهَا الْجَاهِلُ؟ لَوْ تَكَلَّمَ بِهَذَا شَيْطَانٌ، أَوْ مُدْمِنُ خَمْرٍ سَكْرَانَ، مَا زَادَ عَلَيْكَ جَهْلًا، فَكَيْفَ إِنْسَانٌ؟! })).
وهنا نلاحظ أن ابن تيمية وشيخه الدارمي لم يعترضا على الرواية بل اعترضا على التأويل الذي طرحه المريسي, فكيف يؤول المريسي " مس ركبة دواود لركبة الرب" بالتقرب بالعمل الصالح ؟؟!! فلا يصح ولا يجوز هذا الأمر عندهم بل الصحيح هو أن يكون المس هنا حقيقي واقعي " ركبة بركبة " !!!...
وهنا نذكر تعليق المرجع الديني السيد الصرخي الحسني على هذا المورد والذي ذكره في المحاضرة الخامسة عشرة من بحث ( وقفات مع.... توحيد التيمية الجسمي الأسطوري ) حيث قال:
{{... الآن هل هو يرتدي السروال القصير أو الشورت، هل هو من الرياضيين أو الطباخين؟ وهل هو من الكتّاب؟ هل هو من العرب أو من العجم؟ هل هو شرقي أو غربي؟ فهذا الأمر ليس له مدخليّة في النقاش الآن، لكن مسّ هذا لهذا ومسّ هذا بهذا فهل كان بينهما حجاب أو لباس التفت: ركبة هنا وركبة هنا، والآن لا يوجد محذور في هذه الرواية، لكن عندما تعلموا أنّ هذه ركبة داود والركبة الأخرى هي ركبة الرب!! فمسّت هذه الركبة هذه الركبة!!! أين أهل التقديس والتنزيه؟ ألم أقل لكم هذه مثل حكايات السندباد البحري، وألف ليلة وليلة، فهذا هو توحيد التيمية، يعني مع هذه المهازل وأفلام الكارتون، والآن تذكرت عندما كنا صغارًا كنا نشاهد أفلام كارتون اسمها " بربا بابا " عبارة عن هيأة تغيّر شكلها بما تريد وتشتهي، وهذه تقريبًا أقرب صورة لإله التيمية، فبدل الشاب الأمرد يكون بربا بابا لأنه يتشكّل ويتكوّن بجميع الصور, فماذا يفعل المعارض؟ هل يُعقل أن يقول أن ركبة داود مسّت ركبة الله سبحانه وتعالى إنّا لله وإنّا إليه راجعون طبعاً سيقوم المعارض بالتأويل، ألم أقل لكم عبارة عن فكاهة ومزحة ومهزلة، وقصص ورياض أطفال وأفلام كارتون، فهذا هو التوحيد التيمي ...}}.
فهذا هو التوحيد التيمي الأسطوري الخرافي القائم على الأساطير والبدع, وهو أي إبن تيمية وشيوخه وأئمته قد شبهوا الله بمخلوقاته وهم وبحسب ما وضعوه من ضوابط للتشبيه فقد كفروا أنفسهم قبل غيرهم لأنهم يقولون (من شبه الله بخلقه فقد كفر, إن المشبه أعشى ويعبد صنماً ) فهم وبحسب هذا الرواية التي نقضوا تأويلها ولم يرفضوها فقد جعلوا لله سبحانه وتعالى ركبة ومفصل وهو تشبيه واضح وصريح للخالق بمخلوقاته, فهل ياترى ركبة هذا الشاب الأمرد هي كركبة داود ؟ أم هناك فرق بينهما من ناحية الطول والشكل والهيأة كما حصل مع الجمل والثعلب ؟!.
بقلم :: احمد الملا