تحدثَ القرآنُ الكريم عن تأريخ وقصص الماضين ومواقفهم وسلوكهم سواء أكانوا صالحين أم طالحين مفسدين وعلى كل المستويات أنبياء وحكام وعوام , وقد عبر القرآن عن علة محاكاة التاريخ وسرد قصص الماضين بالعظة والعبرة من خلال ربط الحاضر بالماضي بتدبر أحوال الماضين السابقين كيف كانوا من الإختبار والبلاء وإنَّ القُرآن يُطالب المسلم بالمعرفة الثقافيَّة التاريخيَّة، والتي أَوْلاها القُرآن قِسْطًا كبيرًا من العرض المتمثِّل في القصة القُرآنيَّة البديعة؛ ذلك حتى يُوسِّع الإنسان آفاقه، ويطَّلع على أحوال الأمم، وتاريخ الرجال، وتقلُّبات الأيَّام بها وبهم، ويستبصرُ بالسُّنن الربانيَّة الجارية في الكون وأحداثه ووقائعه، وحتى يعلَمَ عواملَ قِيام الأمم، وأسباب سُقوطها وإهلاكها, لاستخلاص الموقف الديني والأنساني السليم بوعي وحكمة وعلم قوله تعالى (وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ ) وقوله تعالى (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) , و هذا النهج القرآني الإلهي يُلزم كل باحث وعالم ومفكر بالتأسي والألتزام الفعلي حينما يحاكي ويتحدث مع التأريخ على مستوى الطرح وإسلوب الحوار وتوقيت الزمان والظرف المناسب وعلى مستوى الغاية والعلة والنية والهدف النبيل من قصدية هذه المحاكاة التأريخية كما أن المهنية والأمانة العلمية تتطلب ذلك بالأضافة الى حساسية وأهمية هذه المحاكاة التأريخية لطبيعة وواقع هذا التأريخ الذي فيه ما فيه من تداخل وتشعب وتفرع وإختلاف وتعددية في الآراء والتفسير والمواقف والجهات والمذاهب والشخصيات والرموز والقادة وكثرة الروايات وتعارض بعضها وضعف الآخر ووجود الموالي والمعارض في عصرنا الحاضر أضف الى ذلك الموضوعات التي تتطلب ملكة علمية فائقة , ولعل أنبل هدف من محاكاة التأريخ إبراز مواقف الماضين في الإسلام من بعضهم البعض وتعايشهم السلمي وإقتصار إختلافهم على الجانب الفكري دون توظيفه الى السلوك العنفي والتكفيري والطائفي فيكون ضمناً وصراحة دعوة ومحاكاة تأريخية لحقن الدماء ودرء الفتن ونبذ الطائفية والدعوة الى الوحدة والتمسك بالخطوط العامة والقواسم المشتركة الدينية والانسانية , ومن المؤلم والمؤسف جداً أن نجد على مستوى عالم أو مفكر وعلى مستوى جهوي ومذهبي وحتى على مستوى العوام في جلسات ومناسبات وبرامج وفضائيات وكتب واطروحات يحاكى التأريخ ويركز على أخطاء وهفوات ومواقف هنا وهناك لأثارة المشاعر وتأجيج العواطف لأجل تحقيق الحقن والتخندق الطائفي والمذهبي وشحن العقول والقلوب بالبغض والكراهية والحقد من أجل مكاسب شخصية وفئوية ومذهبية سياسية كانت أو دينية وتمهيداً وتبريراً وتشريعاً لمشاريع ومخططات عالمية وإقليمية , وهذه المحكاة التأريخية السلبية المخالفة لنهج القرآن وسيرة الصالحين على طول التأريخ ونواياهم وأهدافهم تكاد تكون موجودة في كل مذهب في فئة وجماعة أو شخص وأصبحت كوسيلة دفاعية مبررة للتطرف والتشدد والتكفير ومن أخطر هذه الفئات هم خوارج العصر الدواعش ومنظرهم وشيخهم ابن تيمية الذي حاكى التأريخ وسرد القصص والأحاديث للأنتقاص والطعن والكذب والافتراء والتشويه والطائفية داعماً ذلك بفتاوى تكفيرية تبيح الدماء والأعراض لم تجد الواقف الموزازية لها بالرفض والشجب والبراءة ماخلا البعض الخجولة منها على مستوى القيمة العلمية وعلى مستوى الإعلام ! إلا ان المحقق المرجع السيد الصرخي الحسني له موقف آخر وطرح آخر واسلوب آخر فقد تصدى علمياً بعنوان الاسلام العام والانسانية في محاضرات تحاكي وتتحدث مع التأريخ على نهج القرآن للعظة والعبرة والهداية وفك الطلاسم وبيان الحقيقة وكشف اللثام عنها بحجج وأدلة علمية منطقية دامغة متناولاً كل ما له دخل وارتباط بحاضرنا وما ترتب عنه من حقن وطائفية سواء أكان من هذا المذهب أو ذاك أو كان مدعياً ومتلبساً ا, منتحلاً أو غيره , وتستمر محاضراته وردوده خصوصا على الفكر التيمي الداعشي المنحرف الضّال من أجل الهداية والتذكير والتخفيف من إراقة الدماء والتقليل من التغرير وتعبئة الجهّال , يقول المحقق الصرخي في محاضرته الــ 16 في 10-2-2017 من بحثه الموسوم وقفات مع توحيد التيمية الجسمي الأسطوري ( يوجد خطوط دينيّة عامّة عند الصوفيّة والشيعة والمعتزلة ويوجد اختلافات وفروق في الفروع الفقهيّة والعقائديّة وأيضًا في الأصول لكن هذا هو واقع الحال وهو الموجود منذ الصدر الأوّل وإلى يومنا هذا والناس تتعايش التعايش السلمي، فعندما نحاكي التاريخ ونتحدّث معه لا ننساق وننقاد للنفس المريضة ونبحث عن هفوات وأخطاء وكلمات ومواقف هنا وهناك تُستغل للجانب الطائفي أو للطعن أو للحقن أو للافتراء أو للدس..)
https://www.al-hasany.com/vb/showthread.php?t=475666 سعد السلمان