مدعيّ الدين والوطنية والدفاع عن الإسلام وبلاده وحرمه هو أكثر شيء عانت منه الأمة والبلاد الإسلامية منذ القدم والى اليوم, حيث كانوا ولا زالوا سبباً في تفتيت البلاد وتقسيمها وشرذمة العباد بسبب طمعهم وجشعهم وسعيهم الحثيث خلف المال والجاه والسلطة والحكم, فتجد هؤلاء يرفعون شعارات الوحدة الإسلامية والدفاع عن الإسلام والمسلمين وواقعهم يكون خلاف تلك الشعارات إذ إنهم يعملون على تقسيم وعلى تجذير الطائفية ويعملون على فت عضد الأمة الإسلامية بعدة طرق ووسائل أبرزها هي التحالف مع أنداد المسلمين من جهة ووضع السيف على رقاب المسلمين من جهة أخرى. ولنا في ذلك الأمر عدة شواهد منها ما نعيشه اليوم ومنها ما ذكره التاريخ, فما نعشيه اليوم هو أفعال تنظيم داعش الإجرامية, إذ يرفعون شعار توحيد الأمة الإسلامية والدفاع عن الإسلام والمسلمين وهم يضعون سيوفهم وعبواتهم ومفخخاتهم وأحزمتهم الناسفة ورصاصات غدرهم في أجساد المسلمين !! ومزقوا بلاد الإسلام شر ممزق وها هي مدينة الموصل من أبرز وأوضح المصاديق التي أبانت كذبهم وفضحت زيف إدعاءاتهم وشعاراتهم الزائفة, هذا من جهة ومن جهة أخرى يرفعون شعارات التهديد والوعيد لما يسمونهم بأعداء الإسلام بينما هم في حقيقة الأمر أداة طيعة بيد " أعداء الإسلام " سواء كانوا من الشرق أو الغرب, فالدعم المالي والعسكري والتدريب والتجهيز وحتى الحماية يتلقونها من أعداء الإسلام, فلو كانوا الدواعش فعلاً مدافعين عن الإسلام وبلاده لما توجهوا إلى الموصل المسلمة بأهلها المسلمين والمسالمين وتركوا خلفهم القدس التي تعاني من بطش وإجرام اليهود الإسرائيليين !!. هل المسلمين في الموصل خصوصاً وفي العراق عموماً أكثر مظلومية من القدس وأهلها حتى يدافع عنهم الدواعش ؟! وهل اليهود الإسرائيليين أقل إجراماً وأكثر رحمة من الحكام العرب المسلمين ؟ حتى وإن كانت هناك جرائم من قبل الحكام المسلمين فهي لا ترقى إلى مستوى جرائم اليهود بحق الشعب الفلسطيني حيث الإحتلال والإجرام وانتهاك الحرمات والكرامات والمقدسات بأبشع الصور وأقبحها, فلماذا تعاني الموصل من ظلم مدعيّ حماة الدين والإسلام والمسلمين وبطشهم ؟ وفي الوقت ذاته تعاني القدس من تغاضي هؤلاء وإعراضهم عن تحريرها والدفاع عنها ؟ فالقدس تعاني والموصل تعاني والسبب هم مدعيّ الإسلام والدفاع عنه وعن بلاده. وهذا الأمر ليس بحديث العهد أو جديداً على الموصل وعلى القدس فالأمر له جذور تاريخية ما يفعله الدواعش اليوم هو امتداد لأفعال أئمتهم في السابق, فهذا ابن الأثير في كتابه " الكامل في التاريخ " يميط اللثام عن حقيقة مدعيّ الإسلام والدفاع عنه ولعل أبرز هؤلاء هو " صلاح الدين الأيوبي " الذي ترك القدس لسنين طوال تعاني من إحتلال الإفنرج لها فمرة يذهب لمصر وأخرى إلى الموصل من أجل الأموال والمصالح ويتعاهد مع الإفرنج من جهة ويضع السيف في بلاد المسلمين من جهة أخرى !!... إذ يقول إبن الأثير في كتابه " الكامل في التاريخ " الجزء التاسع في الصفحة اربعمائة وإحدى وستون (( فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَبَرَ صَلَاحُ الدِّينِ الْفُرَاتَ إِلَى الدِّيَارِ الْجَزَرِيَّةِ وَمَلَكَهَا،وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ مُظَفَّرَ الدِّينِ كَوْكَبَرِّيَّ ..بْنِ بُكْتُكِينَ وَهُوَ مُقْطَعٌ حَرَّانَ كَانَ قَدْ أَقْطَعَهُ إِيَّاهَا عِزُّ الدِّينِ أَتَابِكُ، الْمَدِينَةَ وَالْقَلْعَةَ، ثِقَةً بِهِ وَاعْتِمَادًا عَلَيْهِ، أَرْسَلَ ( مُظَفَّرَ كَوْكَبَرِّيَّ) إِلَى صَلَاحِ الدِّينِ وَهُوَ يُحَاصِرُ بَيْرُوتَ يُعْلِمُهُ أَنَّهُ مَعَهُ مُحِبٌّ لِدَوْلَتِهِ، وَوَعَدَهُ النُّصْرَةَ لَهُ إِذَا عَبَرَ الْفُرَاتَ، وَيُطْمِعُهُ فِي الْبِلَادِ وَيَحُثُّهُ عَلَى الْوُصُولِ إِلَيْهَا، فَسَارَ صَلَاحُ الدِّينِ عَنْ بَيْرُوتَ، فَجَدَّ صَلَاحُ الدِّينِ السَّيْرَ, فَلَمَّا قَارَبَ الْفُرَاتَ سَارَ إِلَيْهِ مُظَفَّرُ الدِّينِ فَعَبَرَ الْفُرَاتَ وَاجْتَمَعَ بِهِ وَعَادَ مَعَهُ فَقَصَدَ الْبِيَرَةَ، فَعَبَرَ هُوَ وَعَسْكَرُهُ الْفُرَاتَ عَلَى الْجِسْرِ الَّذِي عِنْدَ الْبِيَرَةِ, وَكَانَ عِزُّ الدِّينِ صَاحِبُ الْمَوْصِلِ وَمُجَاهِدُ الدِّينِ لَمَّا بَلَغَهُمَا وُصُولُ صَلَاحِ الدِّينِ إِلَى الشَّامِ قَدْ جَمَعَا الْعَسْكَرَ وَسَارَا إِلَى نَصِيبِينَ لِيَكُونَا عَلَى أُهْبَةٍ وَاجْتِمَاعٍ لِئَلَّا يَتَعَرَّضَ صَلَاحُ الدِّينِ إِلَى حَلَبَ، ثُمَّ تَقَدَّمَا إِلَى دَارَا، فَنَزَلَا عِنْدَهَا، فَجَاءَهُمَا أَمْرٌ لَمْ يَكُنْ فِي الْحِسَابِ، فَلَمَّا بَلَغَهُمَا عُبُورُ صَلَاحِ الدِّينِ الْفُرَاتَ عَادَا إِلَى الْمَوْصِلِ وَأَرْسَلَا إِلَى الرُّهَا عَسْكَرًا يَحْمِيهَا وَيَمْنَعُهَا، فَلَمَّا سَمِعَ صَلَاحُ الدِّينِ ذَلِكَ قَوِيَ طَمَعُهُ فِي الْبِلَادِ، وَلَمَّا عَبَرَ صَلَاحُ الدِّينِ الْفُرَاتَ كَاتَبَ الْمُلُوكَ أَصْحَابَ الْأَطْرَافِ وَوَعَدَهُمْ، وَبَذَلَ لَهُمُ الْبَذُولَ عَلَى نُصْرَتِهِ، وَسَارَ صَلَاحُ الدِّينِ إِلَى مَدِينَةِ الرُّهَا، فَحَصَرَهَا فِي جُمَادَى الْأُولَى، وَقَاتَلَهَا أَشَدَّ قِتَالٍ. فَحَدَّثَنِي بَعْضُ مَنْ كَانَ بِهَا مِنَ الْجُنْدِ أَنَّهُ عَدَّ فِي غِلَافِ رُمْحٍ أَرْبَعَةَ عَشَرَ خَرْقًا وَقَدْ خَرَقَتْهُ السِّهَامُ .وَوَالَى الزَّحْفَ عَلَيْهَا، فَلَمَّا مَلَكَ (صلاح الدين) الْمَدِينَةَ (الرُّهَا) زَحَفَ إِلَى الْقَلْعَةِ، فَسَلَّمَهَا إِلَيْهِ الدِّزْدَارُ الَّذِي بِهَا عَلَى مَالٍ أَخَذَهُ، فَلَمَّا مَلَكَهَا، سَارَ عَنْهَا (الْقَلْعَة)، عَلَى حَرَّانَ، إِلَى الرَّقَّةِ، وَمَلَكَهَا صَلَاحُ الدِّينِ وَسَارَ إِلَى الْخَابُورِ، قَرْقِيسْيَا، وَمَاكِسِينَ وَعُرَايَانَ، فَمَلَكَ جَمِيعَ ذَلِكَ. لَمَّا اسْتَوْلَى عَلَى الْخَابُورِ جَمِيعِهِ سَارَ إِلَى نَصِيبِينَ، فَمَلَكَ الْمَدِينَةَ لِوَقْتِهَا، وَبَقِيَتِ الْقَلْعَةُ، فَحَصَرَهَا عِدَّةَ أَيَّامٍ، فَمَلَكَهَا أَيْضًا، وَأَتَاهُ الْخَبَرُ أَنَّ الْفِرِنْجَ قَصَدُوا دِمَشْقَ، وَنَهَبُوا الْقُرَى، وَوَصَلُوا إِلَى دَارِيَا، وَأَرَادُوا تَخْرِيبَ جَامِعِهَا، فَأَرْسَلَ النَّائِبُ بِدِمَشْقَ إِلَيْهِمْ جَمَاعَةً مِنَ النَّصَارَى يَقُولُ لَهُمْ: إِذَا خَرَّبْتُمُ الْجَامِعَ جَدَدْنَا عِمَارَتَهُ، وَخَرَّبْنَا كُلَّ بَيْعَةٍ لَكُمْ فِي بِلَادِنَا، وَلَا نَمَكِّنُ أَحَدًا مِنْ عِمَارَتِهَا، فَتَرَكُوهُ، وَلَمَّا وَصَلَ الْخَبَرُ إِلَى صَلَاحِ الدِّينِ بِذَلِكَ أَشَارَ عَلَيْهِ مَنْ يَتَعَصَّبُ لِعِزِّ الدِّينِ بِالْعَوْدِ، فَقَالَ: يُخَرِّبُونَ قُرًى وَنَمْلِكُ عِوَضَهَا بِلَادًا، وَنَعُودُ نُعَمِّرُهَا، وَنَقْوَى عَلَى قَصْدِ بِلَادِهِمْ، وَلَمْ يَرْجِعْ فَكَانَ كَمَا قَالَ)).. وتعليقاً على ماذكره إبن الأثير لا يسعنا إلا ذكر تعليقات المرجع الديني السيد الصرخي الحسني على هذه الفقرات والتي طرحها في المحاضرة الخامسة والعشرون من بحث ( وقفات مع توحيد التيمية الجسمي الأسطوري ) حيث قال ... {{... تَركَ بيروت الفرنجية المحاصرة وترك قتال الفرنجة الصليبيين وذهب مسرعا جادًّا في السير نحو قتال المسلمين والسيطرة على المدن الإسلامية من حكامها المسلمين الزنكيين وغير الزنكيين، هذه هي السياسة والسلطة، وكما هادَن الفِرنج وسار لقتال المسلمين من أجل قضية عائلية شخصية مخزية طرفها مغنية ساقطة أخلاقًا تزوجها صاحب حصن كَيْفا على ابنة قَلَج!!, عندما كانت بلاد الفرنج قاب قوسين أو أدنى من الفتح المؤكد المؤزر، لماذا فرّ من الزحف والغزو وترك نور الدين زنكي وحده في المعركة مدّعيًا خوفه من خروج مصريين ضدّ سلطته في مصر؟!!, يعني الآن خرج الفرنج عليه، وهو ذاهب إلى غزو الموصل، قال: ليأخذوا وليخربوا وليملكوا، لكن عندما نعود سنأخذ بالثأر، سنأخذ أضعاف ما أخذوا، لكن لماذا لم يذكر هذا الكلام قبل أكثر من عشر سنين عندما كان قاب قوسين أو أدنى من تحرير البلاد الإسلامية من أيدي الفرنج؟ لماذا ترك نور الدين زنكي في المعركة بمفرده بعسكره، وتخلى عن المعركة وفرّ من القتال ومن الزحف؟ لماذا لم يقل في ذلك الوقت: لنترك ما يفعل المصريون ومن خرج ضد السلطة، إذا خرجوا وإذا ترتب على خروجهم بعض التغيير في السلطة كما ذكرنا سابقًا، تحرر بلاد الفرنج ثم تذهب إلى مصر وتفعل ما تريد...}}. فهنا نلاحظ إن صلاح الدين لأكثر من مرة يترك القدس بيد الفرنج ويتعاهد معهم ويحول بوصلة سيفه إلى بلاد الإسلام والمسلمين ليضعه فيهم !! كما يفعل الدواعش الآن يتركون القدس بيد المحتلين ويضعون عبواتهم الناسفة في أجساد المسلمين !! فحال الموصل والقدس الآن كما هو حالهما في السابق فاليوم أشبه بالأمس, أما من يقول إن القدس لم يحررها أحد سوى صلاح الدين, نقول له نعم حررها صلاح الدين لكن بعد اللتيا والتي ! بعدما قتل ما قتل من المسلمين, وهل تحريره لها يمحو اتفاقه مع الفرنج ويمحو الدم المسلم الذي سفك على حد سيفه ؟.
المحاضرة الخامسة والعشرون "وَقَفات مع تَوْحيد التَيْمِيّة الجِسْمي الأسطوري"