الباحثين عن المنصب والحكم والسلطان من أجل المنافع الشخصية وليس لغرض خدمة الناس والشعوب, هؤلاء هم أكثر مرض فتاك أصاب المجتمعات بصورة عامة منذ القدم وحتى يومنا هذا, فهم مستعدون للتنازل عن كل شيء من أجل المنصب والحكم والسلطة, يتخلون عن الشرف والقيم والمبادئ وحتى عن أقرب الناس لهم بحيث تصبح الخيانة سمة ملاصقة لهم, خيانة الوطن والشعب والدين والإنسانية من أجل منصب, لا يهمهم ما يحل ببلدانهم من خراب ودمار وهلاك مادامت مناصبهم ومكانتهم في الحكم لا يمسها سوء, بل الأسوأ من ذلك إنهم يستعينون بالدول وبالمنظمات الخارجية من أجل أن يحافظوا على سلطانهم ويجعلون بلدانهم وشعوبها ملكاً لتلك الدول والمنظمات يفعلون بها ما يشاءون, فتنتهك الأعراض والمقدسات وتسفك الدماء ويحدث التهجير والترويع وتحصل المجاعات ويشيع الفقر والفساد والخراب. وما يحصل الآن في البلاد العربية والإسلامية وخصوصاً في سوريا والعراق واليمن وليبيا وغيرها من البلدان خير شاهد, حيث إن أغلب الحكام في تلك الدول رفعوا شعارات التمسك بالمنصب مهما كان الثمن حتى لو كان على حساب الشعب والوطن والدين والمذهب, فسلموا أوطانهم للمحتلين سواء كانوا من الشرق أو الغرب وللمنظمات الإرهابية ليعيثوا في تلك الأوطان الفساد في سبيل البقاء في المنصب وكأنهم يقولون للمحتلين الأرض والعرض لكم والمنصب لنا!!. وهذا ليس وليد اللحظة أو تفرد عصرنا به بل هو أمر وكما أسلفنا منذ القدم وله جذور تاريخية وكأن حكام اليوم أخذوا الدروس والعبر من الحكام السابقين, فمن يطلع على تاريخ أئمة الدواعش وشيوخهم يجده مليء حد التخمة بالوقائع والأحداث التي تقول بأنهم صالحوا وتعاهدوا مع كل المحتلين وبالخصوص مع الفرنج الصليبيين ضد أبناء جلدتهم من المسلمين من أجل البقاء والتمسك بالمنصب والحكم فهذا كتاب (فتوح البلدان) للبلاذري يميط اللثام عن تلك الوقائع والأحداث ومنها على سبيل المثال لا الحصر هو الإتفاق الذي ابرمه معاوية مع الروم من أجل مقاتلة أهل العراق الذين إعتبرهم يهددون منصبه !! والكل يعرف من هم الروم ومن هم أهل العراق!! وكذلك عبد الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك قاموا بمعاهدة الروم والجراجمة وإعطائهم الأموال وتمليكهم البلاد وكانوا قد استنوا بسنة معاوية في معاهدة ومصالحة من هم أعداء للإسلام من أجل ضمان بقائهم في الحكم والسلطة!!. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل صار الأمر سنة عند أئمة التيمية الدواعش وهذا كتاب " الكامل في التاريخ " لإبن الأثير الذي أخرج ما به من حقائق سماحة المرجع الديني السيد الصرخي الحسني ووضعها أمام الجميع من خلال محاضرات وبحوث ( وقفات مع توحيد التيمية الجسمي الأسطوري ) والتي تؤكد فيها علاقة أئمة الدواعش مع الفرنج والصليبيين وكيف كانوا يتعاهدون معهم وسلموا لهم الأرض والبلدان الإسلامية من أجل البقاء في الحكم والسلطة, إذ يذكر إبن الأثير في كتابه الجزء العاشر في الصفحة إحدى وثمانون ((ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ(586هـ) [ذِكْرُ وُصُولِ مَلِكِ الْأَلْمَانِ إِلَى الشَّامِ وَمَوْتِهِ] ..فِي هَذِهِ السَّنَةِ خَرَجَ مَلِكُ الْأَلْمَانِ مِنْ بِلَادِهِ، وَهُمْ نَوْعٌ مِنَ الْفِرِنْجِ، مِنْ أَكْثَرِهِمْ عَدَدًا، وَأَشَدِّهِمْ بَأْسًا، وَكَانَ قَدْ أَزْعَجَهُ مُلْكُ الْإِسْلَامِ الْبَيْتَ الْمُقَدَّسَ فَجَمَعَ عَسَاكِرَهُ، وَأَزَاحَ عِلَّتَهُمْ، وَسَارَ عَنْ بِلَادِهِ وَطَرِيقِهِ عَلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، فَأَرْسَلَ مَلِكُ الرُّومِ بِهَا إِلَى صَلَاحِ الدِّينِ يُعَرِّفُهُ الْخَبَرَ، وَيَعِدُ أَنَّهُ لَا يُمَكِّنُهُ مِنَ الْعُبُورِ فِي بِلَادِهِ, فَلَمَّا وَصَلَ مَلِكُ الْأَلْمَانِ إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ عَجَزَ مَلِكُهَا عَنْ مَنْعِهِ مِنَ الْعُبُورِ لِكَثْرَةِ جُمُوعِهِ، لَكِنَّهُ مَنَعَ عَنْهُمُ الْمِيرَةَ، وَلَمْ يُمَكِّنْ أَحَدًا مِنْ رَعِيَّتِهِ مِنْ حَمْلِ مَا يُرِيدُونَهُ إِلَيْهِمْ، فَضَاقَتْ بِهِمُ الْأَزْوَادُ وَالْأَقْوَاتُ، وَسَارُوا حَتَّى عَبَرُوا خَلِيجَ الْقُسْطَنْطِينِيَّة، وَصَارُوا عَلَى أَرْضِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ مَمْلَكَةُ الْمَلِكِ قَلْج أَرْسَلَانَ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ قَتَلْمِشْ بْنِ سَلْجَقْ, فَلَمَّا قَارَبُوا مَدِينَةَ قُونِيَّةَ خَرَجَ إِلَيْهِمُ الْمَلِكُ قُطْبُ الدِّينِ مَلِكْشَاهْ بْنُ قَلْج أَرَسَلَانَ لِيَمْنَعَهُمْ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ بِهِمْ قُوَّةٌ، فَعَادَ إِلَى قُونِيَّةَ وَبِهَا أَبُوهُ قَدْ حَجَرَ وَلَدُهُ الْمَذْكُورُ عَلَيْهِ، وَتَفَرَّقَ أَوْلَادُهُ فِي بِلَادِهِ، وَتَغَلَّبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى نَاحِيَةٍ مِنْهَا، فَلَمَّا عَادَ عَنْهُمْ قُطْبُ الدِّينِ أَسْرَعُوا السَّيْرَ فِي أَثَرِهِ فَنَازَلُوا قُونِيَّةَ، وَأَرْسَلُوا إِلَى قَلْج أَرَسَلَانَ هَدِيَّةً وَقَالُوا لَهُ: مَا قَصَدْنَا بِلَادَكَ وَلَا أَرَدْنَاهَا، وَإِنَّمَا قَصَدْنَا الْبَيْتَ الْمُقَدَّسَ، وَطَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يَأْذَنَ لِرَعِيَّتِهِ فِي إِخْرَاجِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ قُوتٍ وَغَيْرِهِ فَأَذِنَ فِي ذَلِكَ، فَأَتَاهُمْ مَا يُرِيدُونَ، فَشَبِعُوا، وَتَزَوَّدُوا، وَسَارُوا، ثُمَّ طَلَبُوا مِنْ قُطْبِ الدِّينِ أَنْ يَأْمُرَ رَعِيَّتَهُ بِالْكَفِّ عَنْهُمْ، وَأَنْ يُسَلِّمَ إِلَيْهِمْ جَمَاعَةً مِنْ أُمَرَائِهِ رَهَائِنَ، وَكَانَ يَخَافُهُمْ، فَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ نَيِّفًا وَعِشْرِينَ أَمِيرًا كَانَ يَكْرَهُهُمْ، فَسَارُوا بِهِمْ مَعَهُمْ)). وهنا نأتي على ذكر تعليق المرجع الديني السيد الصرخي على هذا المورد في المحاضرة السابعة والعشرون من بحث ( وقفات مع توحيد التيمية الجسمي الأسطوري ) حيث قال.. {{... ماذا يقول ابن تيمية؟ ماذا يقول النهج التيمي؟ ماذا يقول المارقة عن أئمتهم؟ ما هو الجواب؟ يقولون: نحن لا نقصد بلاد قلج، بلاد السلاجقة ومملكة السلاجقة؛ المسلمين، حماة الدين أنصار الدين، قوة الإسلام، يقولون: لا نقصد هذه المملكة، بل نقصد بيت المقدس، ولا علاقة لنا بكم، وما هو الجواب؟ بيت المقدس، المسجد الحرام، المسجد النبوي، المسجد الأقصى، تشد إليه الرحال جعلها أئمة المارقة وأئمة التيمية من المروانيين جعلوها قبلة وكعبة ومكانًا للحج والعمرة، هل يقبل السلاجقة بهذا؟ بالتأكيد كل مسلم لا يرضى بهذا، ما هو بلدي؟ وما هو بيتي؟ وما هي نفسي وما هي أسرتي مقابل البيت المقدس ؟!! ... لاحظوا الذلة إلى أين وصلت؟ لاحظ الانحطاط والعمالة ...تنبيه: مادام يقصد البيت المقدس ولا يقصد مملكتهم وسلطتهم فلا يوجد أي مشكلة وأهلا وسهلًا ومرحبًا بهم، ونعطيهم ونزوّدهم بكل ما يحتاجون وما يطلبون وحتى الأمراء نسلّمهم لهم رهائن!! ...}}. لاحظوا كيف إن هؤلاء الحكام الذين يدعون الإسلام والدين والدفاع عن بلاد الإسلام كيف سلموا الأرض وسلموا حتى قادة جيوشهم من أجل المنصب بعدما قال لهم ملك الألمان بأنه لم يقصدهم في حربه فقدموا لجيوشه – جيوش الإحتلال – الأكل والشرب وقادة الجيش خوفاً على مناصبهم وعلى مكانتهم كما فعل الأمويين سابقاً, وهذا الأمر نجده عند حكام هذا اليوم فلا شيء عندهم مقدس أكثر من الجاه والسلطة والحكم.