ما يحصل اليوم من تجاذبات سياسية بين الدول العربية والإسلامية وكثرة الخراب والدمار والقتل والتهجير هو تحصيل حاصل للسياسات الفاشلة والفساد الذي تميزت به العديد من حكومات وقيادات تلك البلدان, حتى وصل الأمر بحكامها أن يجرموا بحق شعوبهم وارتكاب المجازر الجماعية بحق تلك الشعوب وهذا جعل من تلك الشعوب أن تنقسم على نفسها فصار جزء من هذا الشعب يتعامل مع دولة أو جهة خارجية من أجل أن يحافظ على نفسه من جهة ومن جهة أخرى يتخلص من هذا الحكام الظالم أو ذاك, وكذا الحال بالنسبة للقسم الآخر من الشعب, وهذه الأمور بمجموعها جعلت من البلدان الغربية والشرقية والإقليمية والمجاورة من الدول الإستعمارية ذات الأطماع التوسعية والإقتصادية بأن تتدخل بشؤون الدول العربية والإسلامية حتى بات هذا التدخل على شكل إحتلال واضح وصريح كما يحصل الآن في العراق وسوريا.
وهذا الأمر ليس بحديث عهد على الدول الإسلامية, فقد كانت الدولة الإسلامية تمر في ظروف مشابهة لتلك الظروف التي تمر عليها الآن بسبب الحكام والمتسلطين وبسبب فسادهم وإجرامهم بحق شعوبهم بالإضافة إلى إجرامهم بحق الشعوب والبلدان المجاورة لهم, كما فعل " خوارزم شاه " الذي قتل التجار التتر وبعد ذلك غار على مدنهم وقتل الأطفال والنساء وحرق قراهم الأمر الذي دفع بالترر إلى غزو الدولة الإسلامية كردة فعل على جريمة خوارزم شاه وبالتالي سقطت الدولة الإسلامية وسقطت بغداد على يد المغول وصار المسلمون وبلدانهم عرضة للقتل والسلب والنهب.
وهذا ما ذكره وثبته ابن الأثير في كتابه " الكامل في التأريخ " في الجزء العاشر / الصفحة 336 حيث قال (( ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَة(617هـ) / [ذِكْرُ خُرُوجِ التَّتَرِ إِلَى تُرْكِسْتَانَ وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَمَا فَعَلُوهُ]: فِي هَذِهِ السَّنَةِ ظَهَرَ التَّتَرُ إِلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَهُمْ نَوْعٌ كَثِيرٌ مِنَ التُّرْكِ، وَمَسَاكِنُهُمْ جِبَالُ طَمْغَاجَ مِنْ نَحْوِ الصِّينِ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ بِلَادِ الْإِسْلَامِ مَا يَزِيدُ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ, وَكَانَ السَّبَبُ فِي ظُهُورِهِمْ أَنَّ مَلِكَهُمْ، وَيُسَمَّى بِجِنْكِزْخَانْ، كَانَ قَدْ فَارَقَ بِلَادَهُ وَسَارَ إِلَى نَوَاحِي تُرْكِسْتَانَ، وَسَيَّرَ جَمَاعَةً مِنَ التُّجَّارِ وَالْأَتْرَاكِ، وَمَعَهُمْ كَثِيرٌ مِنَ النُّقْرَةِ(النُّقْرَةُ: سبيكة الذهب او الفضة، القطعة المذابةُ من الذَّهب أَو الفِضَّة) وَالْقُنْدُزِ وَغَيْرِهِمَا، إِلَى بِلَادِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ سَمَرْقَنْدَ وَبُخَارَى لِيَشْتَرُوا لَهُ ثِيَابًا لِلْكُسْوَةِ، فَوَصَلُوا إِلَى مَدِينَةٍ مِنْ بِلَادِ التُّرْكِ تُسَمَّى أَوَتُرَارَ، وَهِيَ آخِرُ وِلَايَةِ خُوَارَزْم شَاهْ، وَكَانَ لَهُ نَائِبٌ هُنَاكَ، فَلَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِ هَذِهِ الطَّائِفَةُ مِنَ التَّتَرِ أَرْسَلَ إِلَى خُوَارَزْم شَاهُ يُعْلِمُهُ بِوُصُولِهِمْ وَيَذْكُرُ لَهُ مَا مَعَهُمْ مِنَ الْأَمْوَالِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ خُوَارَزْم شَاهْ يَأْمُرُهُ بِقَتْلِهِمْ وَأَخْذِ مَا مَعَهُمْ مِنَ الْأَمْوَالِ وَإِنْفَاذِهِ إِلَيْهِ، فَقَتْلَهُمْ، وَسَيَّرَ مَا مَعَهُمْ، وَكَانَ شَيْئًا كَثِيرًا، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى خُوَارَزْم شَاهْ فَرَّقَهُ عَلَى تُجَّارِ بُخَارَى، وَسَمَرْقَنْدَ، وَأَخَذَ ثَمَنَهُ مِنْهُمْ ((...
فهذه السياسة التي اتبعها سلاطين ومماليك الدولة الإسلامية في ذلك الوقت هي من جعلت الطريق سالكاً أمام التتر وغيرهم لإحتلالها كما عبر عن ذلك السيد الأستاذ الصرخي الحسني في المحاضرة الخامسة والأربعين من بحث ( وقفات مع.... توحيد ابن تيمية الجسمي الأسطوري ) بقوله {{... السياسة الفاشلة والفساد والإفساد وأعمال السلب والنهب وقتل الأبرياء والإبادات الجماعية التي ارتكبها خُوارِزم بحق الشعوب الإسلامية أنفسِها وبلدانها وحكّامها فلم تُبقِ له صاحبًا ولا ناصرًا، مع سياسة وإدارة فاشلة، إدارة ومنهج اللصوصية والسرقات والسلب والنهب وقطّاع الطرق، فبكل تأكيد سيكون الطريق سهلًا وميسّرًا وأمينًا وآمنًا للتّتار لغزو بلاد الإسلام! ...}}.
ويضاف لذلك سياسة القتل والترويع بحق الشعوب الإسلامية نفسها الأمر الذي أدى لتشرذمها وتفرقتها وعدم توحدها في مواجهة هذا الغزو المغولي, كل ذلك سببه السياسة الفاشلة والفساد لدى الحكام والسلاطين, والأمر نراه يتكرر اليوم لكن تحت مسميات وعناوين مختلفة, فلو كانت سياسية الحكام العرب الآن بحق شعوبهم هي سياسة إنسانية فيها الرحمة والعدل والإنصاف ولو كانت الدول العربية متوحدة ومتكاتفة فهل سيتدخل الغرب والشرق ويحتل دولاً منها ويصبح هو الآمر الناهي ؟!.
https://youtu.be/tjCoBa9uzb8 بقلم :: احمد الملا