من المتعارف عليه أن لكل شيء مقدمات وأسباب وعلة منها ظاهرة ومعلنة ومعروفة ومنها أسباب غير ظاهرة, ومن أمثلة ذلك الأمر عمليات القتل والتهجير والنزوح التي يتعرض لها العرب والمسلمون في البلاد العربية كسوريا والعراق, حيث شهد هذين البلدين أكبر عمليات قتل وتهجير ونزوح في السنوات الأخير, السبب الظاهر والمعلن عن عمليات القتل والتهجير والنزوح هو العمليات العسكرية التي تحصل في المناطق والمدن التي فيها حراك مسلح, لكن السبب غير ظاهر هو قيام بعض الأشخاص ممن يحمل صفة أو سمة رجل دين بتحريض الناس على حمل السلاح ضد مجموعة أخرى من الناس تختلف معه أما بالدين أو بالمذهب أو القومية أو بالإنتماء السياسي فيخلق حالة من الفوضى والإنفلات الأمني وبالتالي تنعكس أثار هذا الأمر على الناس البسطاء الذين لا ناقة لهم ولا جمل في كل ما يجري فيقع القتل والتهجير والنزوح بسبب تلك الفتاوى التحريضية بشكل أساسي والتي كانت هي العلة الخفية في إيجاد العمليات العسكرية التي لا تفرق بين طفل وامرأة وشيخ كبير ورجل مسلح, لا تفرق بين مدني وعسكري.
ما يحصل الآن في سوريا والعراق من قتل وتهجير ونزوح سببه الحقيقي هو تنظيم داعش الإرهابي الذي كان سبباً حتى في وأد التظاهرات السلمية المطالبة بالحقوق وضرب مصالح المعارضين لنظام الحكم وسياسته في هذين البلدين, فتواجد هذا التنظيم هو السبب الذي أوجد العمليات العسكرية التي حرقت الأخضر واليابس ودفعت الناس للهجرة والنزوح, فالعمليات العسكرية جاءت كردة فعل طبيعية لتواجد داعش السبب الأساسي, وهذا التنظيم الإرهابي جاء تحت عنوان حماية المسلمين والدفاع عن عقيدة أهل السنة وبالتالي على ماذا حصل أهل السنة من هذا التنيظم الإرهابي غير القتل والسبي والتهجير والنزوح والترويع ؟؟!!.
فهذه العصابات الإرهابية – داعش – لم تعمل وفق الشعار الذي حملته وهو حماية الدين والعقيدة بل كان هذا الشعار ذريعة لها لممارسة عمليات السلب والنهب والقتل والترويع, ولكي تتضح الصورة أكثر نطرح هذا التساؤل وهو " ما هو سبب فشل الثورة الشعبية السلمية في سوريا وكذلك التظاهرات والإعتصامات في العراق خصوصاً وإنها كانت تطالب بحقوق التي يراها القائمون عليها بأنها مطالب شرعية ؟ " لم تتجرأ الحكومات على ضرب المتظاهرين ومدنهم وتهجير الناس إلا بعدما دخل داعش لهذه الدول وهو يحمل شعار حماية الدين والعقيدة الأمر الذي جعل الناس تتخذ الحياد ولم تقف بوجه إلا بعدما رأت حقيقته.
فما تقوم به تلك العصابات من عمليات قتل وسلب ونهب وإستباحة لكل المحرمات هي السبب الحقيقي الذي دفع بالناس للهجرة والنزوح وهي السبب في تدمير البلدان الإسلامية, وهذا ليس أمراً جديداً فأئمة تلك العصابات وشيوخهم هم أيضاً كانوا سبباً في تدمير البلدان الإسلامية وكانوا سبباً في سقوط الدولة الإسلامية على يد التتر خصوصاً بعدما قام من يدعي حماية الدين والعقيدة بعمليات سرق ونهب وقتل لتجار التتار الأمر الذي دفع بهولاكو بالثأر لتجاره وتحرك نحو الدول الإسلامية لإحتلالها بعدما كان يتعامل معها تجارياً, وهذا ما ذكره ابن الأثير في كتاب الكامل في التأريخ حيث قال في الكامل10/ 260- 452 (( أكملَ كلامَه، [ذِكْرُ مُلْكِ التَّتَرِ خُرَاسَانَ ... ثُمَّ سَارُوا إِلَى نَيْسَابُورَ فَحَصَرُوهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ، وَبِهَا جَمْعٌ صَالِحٌ مِنَ الْعَسْكَرِ الْإِسْلَامِيِّ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ بِالتَّتَرِ قُوَّةٌ، فَمَلَكُوا الْمَدِينَةَ..... ثُمَّ سَارُوا إِلَى هَرَاةَ، وَهِيَ مِنْ أَحْصَنِ الْبِلَادِ، فَحَصَرُوهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَمَلَكُوهَا وَأَمَّنُوا أَهْلَهَا، وَقَتَلُوا مِنْهُمُ الْبَعْضَ، وَجَعَلُوا عِنْدَ مَنْ سَلِمَ مِنْهُمْ شِحْنَةً، وَسَارُوا إِلَى غَزْنَةَ، فَلَقِيَهُمْ جَلَالُ الدِّينِ ابنُ خُوَارَزْم شَاهْ، فَقَاتَلَهُمْ وَهَزَمَهُمْ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَوَثَبَ أَهْلُ هَرَاةَ عَلَى الشِّحْنَةِ فَقَتَلُوهُ، فَلَمَّا عَادَ الْمُنْهَزِمُونَ إِلَيْهِمْ دَخَلُوا الْبَلَدَ قَهْرًا وَعَنْوَةً، وَقَتَلُوا كُلَّ مَنْ فِيهِ، وَنَهَبُوا الْأَمْوَالَ وَسَبَوُا الْحَرِيمَ، وَنَهَبُوا السَّوَادَ خَرَّبُوا الْمَدِينَةَ جَمِيعَهَا وَأَحْرَقُوهَا، وَعَادُوا إِلَى مَلِكِهِمْ جِنْكِيزْخَانْ، وَهُوَ بِالطَّالْقَانِ يُرْسِلُ السَّرَايَا إِلَى جَمِيعِ بِلَادِ خُرَاسَانَ فَفَعَلُوا بِهَا كَذَلِكَ، وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْ شَرِّهِمْ وَفَسَادِهِمْ شَيْءٌ مِنَ الْبِلَادِ، وَكَانَ جَمِيعُ مَا فَعَلُوهُ بِخُرَاسَانَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ ))..
فما أشبه اليوم بالبارحة, كما يقول السيد الأستاذ الصرخي في المحاضرة السادسة والأربعين من بحث ( وقفات مع.... توحيد ابن تيمية الجسمي الأسطوري ) ((قال: {فَوَثَبَ أَهْلُ هَرَاةَ عَلَى الشِّحْنَةِ فَقَتَلُوهُ} مَن الذي دفعهم لقتل الشحنة( الحاكم العسكري ) الذي وضعه جنكيزخان، علمًا أنَّ النتيجة محسومة ويقينيّة أنَّ الإبادة الجماعيّة تحلّ بهم على يد عساكر التّتار؟!! لا يوجد مَن يفعل ذلك مِن ذاته، ولا يوجد مَن يفتي بذلك إلّا ابن تيمية ومقلّدَته وكما يفعلون الآن، فيقتلون فردًا أو بضعة أفراد هنا أو هناك، فإذا بالنتيجة أنْ يحصل تدمير البيوت والبلاد ونزوح وتهجير وقتل ملايين المسلمين مِن السنّة الذين يدَّعي الدواعش المارقة أنَّهم يحمونهم ويدافعون عنهم وينصرونهم، فإذا بهم يدمّرونهم تدميرًا، ولا حول ولا قوة إلّا بالله!!! ))...
فما يحصل اليوم هو نسخة طبق الأصل مما حصل في السابق على يد أئمة وشيوخ الدواعش حيث كانوا سبباً في قتل وتهجير وترويع المسلمين وخراب بلدانهم.
https://youtu.be/4Jztr0waSLw بقلم احمد الملا