تعني البروباغندا نشر المعلومات بطريقة موجهة أحادية المنظور وتوجيه مجموعة مركزة من الرسائل بهدف التأثير على آراء أو سلوك أكبر عدد من الأشخاص, وهي مضادة للموضوعية في تقديم المعلومات، البروباغاندا في معنى مبسط، هي عرض المعلومات بهدف التأثير على المتلقي المستهدف, كثيراً ما تعتمد البروباغندا على إعطاء معلومات ناقصة، وبذلك يتم تقديم معلومات كاذبة عن طريق الامتناع عن تقديم معلومات كاملة، وهي تقوم بالتأثير على الأشخاص عاطفياً عوضاً عن الرد بعقلانية, والهدف من هذا هو تغيير السرد المعرفي للأشخاص المستهدفين لأجندات سياسية, فهي سياسياً تعني الترويج واقتصادياً تعني الدعاية ودينياً تعني التبشير. ومن خلال هذا التعريف نجد إن الفكر الإرهابي المتشدد لديه بروباغندا خاصة به وعمل عليها منذ اللحظات الأولى التي وجد فيها هذا الفكر المنحرف الدخيل على الإسلام حتى صار سبة على هذا الدين وعلى المسلمين بحيث يراه كل من هو غير مسلم بأنه دين إرهاب وقتل ويتجرأ هؤلاء على رموز وقادة الإسلام الأوائل بما فيهم الرسول محمد " صلى الله عليه وآله وسلم " وهذا بسبب الموروث الذي دسه المتشددون في التأريخ الإسلامي فوضعوا الروايات والمعلومات التي شوهت صورة هذا الدين وقادته من نبي وصحابة وخلفاء. فقد اعتمد قادة ورموز التطرف والتكفير على بروباغندا على وضع معلومات ناقصة غير كاملة من جهة ومن جهة أخرى دسوا بعض المعلومات غير الحقيقية وكاذبة وبطريقة تحمل النفس الطائفي المقيت الدموي بصورة أثرت على المتلقي المستهدف وهو الفرد المسلم, فقد روج المتشددون المنتسبون للإسلام لشخصيات جعلوها من رموز الإسلام يؤخذ منها المسلمات بدرجة صار قولها وفعلها مقروناً بقول وفعل النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " بل قولهم هو الأرجح على قول النبي لأنهم إعتمدوا على طريقة ممنهجة في الترويج لفكرهم وهي إضعاف الأحاديث وتقوية أخرى وتكذيب جزء منها وبطريقة يتناسب مع فكرهم الإرهابي المتطرف المتشدد, فصار الترويج لهذا الفكر من كل النواحي على إنه هو لب وجوهر الإسلام ومن يخالفه فهو " كافر أو مرتد حكمه حكم الكافر " !!!... ومن الأمثلة الحية على بروباغندا الفكر المتطرف هو مسألة أو حادثة سقوط بغداد على يد التتر, فقد روج أصحاب الفكر التكفيري المتشدد الدموي على إن سبب سقوط بغداد هو الشيعي ابن العلقمي وزير آخر خليفة العباسي وصوروا بأنه تعامل مع هولاكو ورغبه بإحتلال, وهم بذلك قدموا معلومة كاذبة وبنفس طائفي مقيت في حين أخفوا حقيقة وهي إن السبب الحقيقي في سقوط بغداد هو الملك خوارزم شاه الذي قام بقتل التجار المغول الذين أرسلهم جنكيز خان للمتاجرة في بلاد الإسلام ولم يكتفِ بذلك بل قام بغزو القرى المغولية بعدما استغل انشغال جيوش المغول في معارك فيما بينهم وقتلَ النساء والأطفال وسلب ونهب تلك القرى الأمر الذي دفع بالمغول أو الترر بالتحرك تجاه الدولة الإسلامية للثأر لتجارهم ولقراهم التي سلبها خوارزم شاه. وهذا ما يذكره ابن الأثير في كتابه " الكامل في التأريخ " حيث يقول في الكامل جزء 10/ الصفحة 336 : (( ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَة(617هـ) [ذِكْرُ خُرُوجِ التَّتَرِ إِلَى تُرْكِسْتَانَ وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَمَا فَعَلُوهُ] فِي هَذِهِ السَّنَةِ ظَهَرَ التَّتَرُ إِلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَهُمْ نَوْعٌ كَثِيرٌ مِنَ التُّرْكِ، وَمَسَاكِنُهُمْ جِبَالُ طَمْغَاجَ مِنْ نَحْوِ الصِّينِ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ بِلَادِ الْإِسْلَامِ مَا يَزِيدُ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ, وَكَانَ السَّبَبُ فِي ظُهُورِهِمْ أَنَّ مَلِكَهُمْ، وَيُسَمَّى بِجِنْكِزْخَانْ، كَانَ قَدْ فَارَقَ بِلَادَهُ وَسَارَ إِلَى نَوَاحِي تُرْكِسْتَانَ، وَسَيَّرَ جَمَاعَةً مِنَ التُّجَّارِ وَالْأَتْرَاكِ، وَمَعَهُمْ كَثِيرٌ مِنَ النُّقْرَةِ(النُّقْرَةُ: سبيكة الذهب او الفضة، القطعة المذابةُ من الذَّهب أَو الفِضَّة) وَالْقُنْدُزِ وَغَيْرِهِمَا، إِلَى بِلَادِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ سَمَرْقَنْدَ وَبُخَارَى لِيَشْتَرُوا لَهُ ثِيَابًا لِلْكُسْوَةِ، فَوَصَلُوا إِلَى مَدِينَةٍ مِنْ بِلَادِ التُّرْكِ تُسَمَّى أَوَتُرَارَ، وَهِيَ آخِرُ وِلَايَةِ خُوَارَزْم شَاهْ، وَكَانَ لَهُ نَائِبٌ هُنَاكَ، فَلَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِ هَذِهِ الطَّائِفَةُ مِنَ التَّتَرِ أَرْسَلَ إِلَى خُوَارَزْم شَاهُ يُعْلِمُهُ بِوُصُولِهِمْ وَيَذْكُرُ لَهُ مَا مَعَهُمْ مِنَ الْأَمْوَالِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ خُوَارَزْم شَاهْ يَأْمُرُهُ بِقَتْلِهِمْ وَأَخْذِ مَا مَعَهُمْ مِنَ الْأَمْوَالِ وَإِنْفَاذِهِ إِلَيْهِ، فَقَتْلَهُمْ، وَسَيَّرَ مَا مَعَهُمْ، وَكَانَ شَيْئًا كَثِيرًا، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى خُوَارَزْم شَاهْ فَرَّقَهُ عَلَى تُجَّارِ بُخَارَى، وَسَمَرْقَنْدَ، وَأَخَذَ ثَمَنَهُ مِنْهُمْ .وَقِيلَ فِي سَبَبِ خُرُوجِهِمْ إِلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُذْكَرُ فِي بُطُونِ الدَّفَاتِرَ: فَكَانَ مَا كَانَ مِمَّا لَسْتُ أَذْكُرُهُ ... فَظُنَّ خَيْرًا وَلَا تَسْأَلَ عَنِ الْخَبَرِ))... وهنا نذكر تعليقاً للسيد الأستاذ الصرخي الحسني بهذا الخصوص في المحاضرة (45) من بحث (وقفات مع ....توحيد ابن تيمية الجسمي الأسطوري حيث يقول فيه :{{... الآن سؤال: ما هو السبب الرئيس في تحرّك المغول وتوحشهم واصرارهم على غزو بلاد المسلمين، والجواب صار واضحًا ويقينيًا، وهو: تلك الغدرة التي قتل بها خوارزم أولئك التجار الأبرياء الذين أتوا إلى بلاد الإسلام والمسلمين، فهذه هي الهمجية، عامل اقتصادي وقوّة اقتصادية تأتي إلى بلاد الإسلام يستفيد منها المسلمون وهؤلاء الهمج والذئاب القاتلة الإرهابية الدواعش المارقة يقتلون التجار وكما يفعلون الآن يقتلون الاقتصاد والسياحة الدينية والتأريخية، يقتلون العلم والعلماء يرهبون الناس ويدمرون البلاد!! فخوارزم ومن مثله ليس عندهم أي شيء سوى السرقة والخيانة والسلب والنهب، وتسلّطوا على رقاب المسلمين بإمضاء وشرعنة ابن تيميّة ومنهجه, هذه هي حقيقة الأمر فلا خلاص للإسلام والمسلمين ولا للإنسان والإنسانية في الشرق والغرب إلّا باستئصال هذا الفكر التكفيري الداعشي لابن تيمية المارق القاتل الإرهابي ولأمثاله في باقي الديانات؛ المنتسبة إلى المسيحية أو اليهودية أو البوذية أو غيرها، إذن يوجد ابن تيمية عندنا ويوجد ابن تيمية عندهم، يوجد دواعش عندنا ويوجد دواعش عندهم، يوجد أعراب عندنا ويوجد أعراب عندهم، يوجد فرنج عندهم ويوجد فرنج عندنا، يوجد مغول عندهم ويوجد مغول عندنا، يوجد هولاكو عندهم ويوجد هولاكو عندنا، يوجد لص وخوارزم عندنا يوجد لص وخوارزم عندهم, لنكن منصفين في التفكير وعقلاء في تحديد وتشخيص الداء وتعيين الدواء- إذن علينا في كلّ عصر وزمان أن نبحث عن الأصل ونحدد المشكلة ونشخّص الداء ونبحث عن حقيقة وواقعية ما جرى، حتى نأخذ الدروس والعبر ونتعلّم كي لا تتكرر المأساة ...}}. ومن هذا المثال الذي أوردناه نلاحظ كيف إن أئمة ورموز التكفير أصحاب الفكر المتطرف قد اعتمدوا بروباغندا خاصة للترويج لفكرهم من خلال تقديم معلومات كاذبة وناقصة وغير حقيقية من أجل أجندة خاصة بهم وهي أجندة التكفير والقتل وسفك الدماء وتخريب البلاد بما يصب مع مصالحهم التكفيرية.