الرحالة ابن بطوطة شاهد عيان على شرك ابن تيمية
بقلم : ضياء الحداد
عاصر الرحالة المعروف ابن بطوطة الفترة الزمنية التي كان يخطب فيها ابن تيمية ويعطي اجتهاداته، فقد ورد في كتابه الممتع "تحفة النظار في غرائب الأمصار"، يحكي الرحّالة المغربي ابن بطوطة عن أهم مشاهداته خلال رحلاته التي استغرقت ثلاثين عاماً من الترحال والطواف في مختلف الأقطار والأمصار، من الصين إلى السنغال.
ويهمّنا في هذا الباب أن نسرد واقعة طريفة ومعبّرة عاينها أثناء حضوره صلاة الجمعة بجامع دمشق، حيث كان إمام الصلاة حينها شيخ الإسلام ابن تيمية. يعترف الرحّالة المغربي أن ابن تيمية كان كبير الشام وأهل دمشق يعظّمونه أشدّ التعظيم، لكنه يضيف متداركاً (إلا أن في عقله شيئاً). و
هي كما لا يخفى صيغة مهذبة للقول بأن في عقل الرجل خللاً ما. لم تكن تلك الملاحظة ملاحظة شيخ من منافسي ابن تيمية حتى نقول إنها مجرّد غيرة وتحامل. لم تكن ملاحظة شخص مقيم في دمشق حتى نقول إنها مجرّد تصفية حسابات، بل كانــت مـــلاحظة رحّــالة منقطع للترحــال وتـــسجيل المـــشاهدات بدقة بالــغة. غير أن الواقعة التي عاينها الرحّالة ابن بطوطة باستغراب لدى حضوره خطبة الإمام ابن تيمية في يوم الجمعة، هي أن شيخ الإسلام بدأ يشرح للناس فيقول: "إن الله ينزل إلى السماء الدنيا كنزولي هذا"، ونزل درجة من درج المنبر.
وبينما هو يشرح على ذلك النحو انبرى إمامٌ مالكي حضر الصلاة محتجاً على الإمام ابن تيمية وسوء توصيفه للذات الإلهية، فقامت قيامة العامة على ذلك الفقيه المالكي وضربه المصلّون بالأيدي والنعال. وقد حدث كل هذا أمام استغراب "الضيف" المغربي.
والسؤال هو كيف تأتى لابن بطوطة أن يلاحظ على ابن تيمية أن في عقله شيئاً؟
لا إجابة واضحة،
لكن لا شكّ في أن ابن بطوطة المشهود له بدقة الملاحظة قد لاحظ في بعض التصرفات ما يثير الشكّ في الصحة النفسية لشيخ الإسلام. فهذا الرجل الذي كفّر الجميع، الفلاسفة، المتصوفة، المتكلمة، الشيعة، النصارى، اليهود، وأخرج الجميع من الملّة، المجسمة، المنزهة، المعطلة، الباطنية، الظاهرية، إلخ، حتى أنه نسي في الأخير أن يكفّر نفسه، قد يكون غير سويّ في كل المقاييس. لا يخامرنا أدنى شك في أن الرحّالة المغربي لم يكن يتصور أنّ ذلك العقل الذي فيه شيء، هو العقل الذي سيغزو معظم العالم الإسلامي وضمــنه بلده المغرب.
بصرف النظر عن ملاحظات ابن بطوطة عن ابن تيمية، ألهم الرجل التنظيمات الدينية ذات الطابع السياسي، وشكّل الأب الروحي للحركات السلفية وعلى الأخص منها الحركة الوهابية التي أسسها محمد بن عبد الوهاب في الحجاز، التي لا تزال تشكل الأسس العقائدية للشريعة في المملكة العربية السعودية. كما أن ابن تيمية هو الأب الملهم لحسن البنّا الذي أسس حركة الأخوان المسلمين في مصر في الربع الأول من القرن العشرين، وطوّر فكرها، تشدداً وتزمتاً في ما بعد، كلٌّ من أبي الأعلى المودودي وسيد قطب.
غزا فكر ابن تيمية التنظيمات السلفية، فقاد بفكره تنظيم القاعدة وجبهة النصرة، ويشكل اليوم المرشد الروحي لـداعش، وخصوصاً في ما يتصل بالمجموعات غير الإسلامية وكيفية التعاطي معها، بفرض دخولها إلى الإسلام وإلا واجهت مصيراً يبدأ بفرض الجزية عليها أو تهجيرها من أرضها وصولاً لإرسالها إلى القبور.
يكتسب الحديث عن ابن تيمية أهميته الاستثنائية من كون الرجل يقيم بقوة بين ظهرانينا اليوم، على رغم مضي ثمانية قرون على وفاته بالجسد.
فهو يقود المنظومة الفكرية للتيارات السلفية التي شهدت صعودها منذ أكثر من أربعة عقود، وتعيش ذروة هذا الصعود بعد الانتفاضات العربية وانهيار بنى الدولة والمواقع التي تسجلها التيارات السلفية على الأرض في أكثر من بلد عربي، وتفرض بموجبها قوانينها وشريعتها على المسلمين وغير المسلمين، مستلهمةً بذلك فقه ابن تيمية الحاضر أبداً في نظرها.
بعد كل هذا ألا يستحق ابن تيمية أن تتظافر جهود المسلمين من كل الطوائف لتحارب هذا الفكر المتطرف ، لتوقف هذا التكفير والاجرام والقتل ، لماذا لا نفضح أمره ، ونفضح كل التيارات والحركات التي ما زال يقودها بفكره التيمي التكفيري ، فتنفضح كل الحكومات العربية والإسلامية التي تدعم هذا الفكر التكفيري.
المحقق الكبير السيد الصرخي الحسني أصدر بحوث تاريخية عقائدية ، يحلل فيها وبموضوعية هذا الفكر الذي يدعي الإسلام وينهج بمنهج التوحيد ، إلا أن الحقيقة عكس ذلك فكما روى ابن بطوطة أن ابن تيمية مجسم (وهو بنفسه ابن تيمية قد كفر المجسمة) ، وقد حملت بحوث السيد الصرخي عنوان ( الدولة.. المارقة...في عصر الظهور منذ عهد الرسول) وبحث ( وقفات مع.... توحيد ابن تيمية الجسمي الأسطوري).