الاجتهاد باب فتحه الله وأغلقه أتباع ابن تيمية
بقلم : ضياء الحداد
هناك مسألة يجب التوقف عندها تتصل بمشروعية القيادة الفكرية الدينية لابن تيمية بعد مرور ثمانية قرون على وفاته، هنا نقطة النقاش الذي يطال هذه المرة المؤسسات الدينية التي لا تزال تتمسك بمقولات ابن تيمية وغيره من الفقهاء كأنها النص المقدس المفروض التزامه أبد الدهر، كونه صالحاً لكل زمان ومكان.
ليس العيب في ما قاله ابن تيمية في زمنه وظروفه فقط، لكن العيب أيضاً في اعتبار الفقه قد توقف عند الرجل ومعه سائر الفقهاء، سواء أكانوا من السنّة أم الشيعة، ألا يكفي مرور ثمان مائة عام لإنتاج فقه جديد يتناسب مع تطورات العصر ويوائم بين قديم لم يعد له وجود، وجديد يجب أن تجتهد المؤسسات الدينية في إنتاجه؟
لقد فضحت الانتفاضات العربية هذا التجمد عند مقولات فقهية تآكلت مع الزمن، لكنها لا تزال حية في كتب التعليم والإرشاد التابعة للمؤسسات الدينية، بل ويجري فرضها بالقوة في بعض الأماكن. إن هول ممارسات التنظيمات المتطرفة التي أمكنها فرض سيطرتها، بما يرافقها من عنف وقتل وتدمير باسم الدين الإسلامي، قد دفع، بصعوبة، بعض القيمين على المؤسسات الدينية لإطلاق تصريحات منددة بالتصرفات الجارية، نافيةً عنها انتسابها إلى الدين الإسلامي، لكن من دون أن تشير إلى أن هذا العنف يجد مرجعه في الفكر والفقه اللذين يجري تعليمهما وانتاجهما في البلدان العربية على العموم، تحت ضغط المؤسسة السياسية، صدرت تصريحات من مسؤولين في المؤسسة الدينية في كل من مصر والمملكة العربية السعودية تناولت ممارسات (داعش).
فقد صرح شيخ الأزهر أحمد الطيب بأن عناصر داعش مجرمون يخدمون الصهيونية، ويصدرون صورة شوهاء عن الإسلام، وهم صنائع استعمارية تعمل في خدمة الصهيونية، وهو تصريح يستعيد نظرية المؤامرة الخارجية، لكنه في حقيقته يتجاهل كون داعش واخوته أبناء شرعيين لمجتمعاتنا العربية المنهارة ولامتناعها عن الحداثة والتحديث، وأبناء ثقافة مشبعة بفقه الكراهية المنتشر بقوة في كتب الأزهر والمؤسسات التابعة له.
إذن شيخ الأزهر لم يتطرق إلى الفكر التيمي ، إلى ماكنة التفريخ التي أنتجت داعش والقاعدة والأخوان المسلمين.
أما مفتي السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ فصرح: (داعش فئة ظالمة معتدية، ويجب على المسلمين قتالها إذا قاتلت المسلمين)، وهو تصريح يشي صراحةً بحق هذا التنظيم في قتال غير المسلمين، فيما لا يشير الشيخ الجليل إلى أصل المشكلة في صعود هذا التنظيم ومسؤولية المنظومة العقائدية السائدة في بلده،
وأيضاً بقي ابن تيمية وفكره التيمي التكفيري خارج الموضوع ، وأن داعش وليدة المجهول ؟؟؟
ولعل أخطر ما ينتج من ممارسة التدين في المحطة الراهنة من تطور المجتمعات العربية، وقبلها في المجتمعات الغربية، يكمن في سعي الفقه واللاهوت إلى انتاج فكر متخلف، تمتزج فيه التأويلات الشخصية بالخرافات والأساطير، وشحن الهويات، وبثّ منوعات من الفكر لا وظيفة لها إلا إثارة النعرات والأحقاد بين مكوّنات المجتمع، بما يرافق ذلك من تخوين وتكفير وإهدار الدم.
لسنوات خلت، كان النقاش والاجتهاد في النصوص الدينية يقعان ضمن المحرّمات التي يمتنع على غير المؤسسات الدينية الخوض فيها، وخصوصاً في المجتمعات العربية والإسلامية. دفع كثيرون أثماناً من القمع عندما تجرأوا على إبداء التفسير والاجتهاد والتأويل لنصوص مقدسة استنادًا إلى قراءات عقلانية وتاريخية للنص بعيدًا من الأسطرة والخرافة. من هؤلاء الشيخ علي عبد الرازق، طه حسين، محمد أحمد خلف الله، وغيرهم كثيرون، ممن جرى اتهامهم بالهرطقة والخروج عن الدين والارتداد، وصولاً إلى تكفيرهم وإهدار دمهم.
وفي النهاية ، نحن نمر اليوم بانتكاسة دينية سببها تفشي الفقه التيمي ، الذي غضت المؤسسات الدينية الطرف عنه ، فلم يصدر موقف صريح لا من الأزهر ولا من مفتي المملكة العربية السعودية ، ونفس الكلام ينطبق على المؤسسات الشيعية التي وقفت مكتوفة الأيدي، باستثناء رجل دين واحد حارب الفكر بالفكر ، وأصدر البحوث لتفنيد بحوث التيمية المارقة ، وألقى المحاضرات وناقش وأدحض كل أفتراءات أصحاب الفكر التيمي الدموي ، إنه المحقق الأستاذ الصرخي الحسني الذي أصدر بحث (الدولة.. المارقة...في عصر الظهور...منذ عهد الرسول) ومن ثم بحث (وقفات مع.... توحيد ابن تيمية الجسمي الأسطوري).
والتي كانت تحليلاً موضوعيا كشف المحقق الصرخي من خلالها عدة نقاط أهمها ، زيف التوحيد الذي تكلم به ابن تيمية وأنه كان شركا بالله سبحانه لكون ابن تيمية مشبه ومجسم للذات الألهية ،كذلك أتضح أن ابن تيمية قد وضع مجموعة من الأساطير لا أساس ديني لها وأعتبرها هي المرتكز لأصدار فتاويه التكفيرية الدموية .