عندما تسمع بإسم علي بن أبي طالب " عليه السلام " تقف عندك الحروف عاجزة عن وصف هذه الشخصية العظيمة التي أعز الله بها الإسلام والمسلمين, شخصية تضيع في كنه مدحها أبجديات اللغة, شخصية شهد لها العدو قبل الصديق ولها من الفضائل ما لا يعد ويحصى, فهي كالشمس لا تغطى بغربال....فمع تلك العظمة التي تجسدت في شخصية الإمام علي " عليه السلام " كان هناك من يحاول أن يسلب ولو الشيء القليل من تلك العظمة ويقلل من شأن أمير المؤمنين وخليفة المسلمين وصحابي الرسول الكريم " صلى الله عليه وآله وسلم " وابن عمه وزوج ابنته والفدائي الذي قدم نفسه قرباناً من أجل الإسلام والحفاظ على بيضته يوم احتشدت قريش من أجل إضاعة دم النبي الخاتم بين قبائلها...
من الثابت عند المسلمين جميعاً بأنه من غير الصحيح ولا من الإسلام ولا من الشرع ولا من الأخلاق أن يُسب أحد الصحابة أو الخلفاء حتى وصل الأمر إلى تكفير كل من يقدم على هذا الفعل غير الإسلامي واللأخلاقي واللاشرعي, حيث وضعت ضابطة بأن كل من يسب أو يقدح أو يكفر أحد الخلفاء أو الصحابة فهو بحكم الكافر, وبطبيعة الحال يكون الإمام علي " عليه السلام " من تلك الشخصيات التي لا يجوز شرعاً القدح والتنكيل بها وسبها وتكفيرها لأنه خليفة وصحابي وإمام....
لكن مع ذلك نجد هناك من يحاول أن يخرج الإمام علي " عليه السلام " من هذا الضابطة لكي يكون سبه وطعنه والتنكيل به أمراً مباحاً ولا يستوجب التكفير أو التعزير, ومن تفرد بهذا الأمر هو ابن تيمية, حيث يقول كتابه في منهاج السُّنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية لابن تيمية ، ج7،(( فصل قال الرافضي: البرهان الثاني عشر: ...وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ... الرَّابِعُ : إنَّ اللَّهَ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ سَيَجْعَلُ لِلَّذِينِ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وُدًّا، وَهَذَا وَعْدٌ مِنْهُ صَادِقٌ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ لِلصَّحَابَةِ مَوَدَّةً فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ، لَاسِيَّمَا الْخُلَفَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، لَاسِيَّمَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ; فَإِنَّ عَامَّةَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ كَانُوا يَوَدُّونَهُمَا، وَكَانُوا خَيْرَ الْقُرُونِ، وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ عَلِيٌّ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ كَانُوا يُبْغِضُونَهُ، وَيَسُبُّونَهُ وَيُقَاتِلُونَهُ!!)).
وهنا نلاحظ كيف إن ابن تيمية يحاول أن يخرج الإمام علي " عليه السلام " من الإيمان حيث جعل الود محصوراً في غيره من الخلفاء فهم لم يتعرضوا للسب والقدح والبغض من الصحابة بخلاف الإمام علي الذي كان مبغوضاً عندهم ويسبونه وهذا يعني إن علي ليس مؤمنا ولم يعمل صالحاً بحيث لم تكن لديه مودة فو قلوب المسلمين !! فلم يدخل ضمن الوعد الصادق لله سبحانه وتعالى ؟؟!!...
ولعل ما قاله رجل الدين الصرخي في تعليق له على هذا المورد من كلام ابن تيمية فيه خير تبيان لحقيقة هذا البغض الدفين الذي يحمله ابن تيمية تجاه علي " عليه السلام " حيث يقول المحقق الصرخي : ((أقول : تعرف ابن تيمية من لحن القول، يبغض عليًا ( عليه السلام ) أشدّ البغض، لا يعتبره من الصحابة، يقول: " وهذا وعد منه صادق " ما هو الوعد؟ إن الله يجعل للذين امنوا وعملوا الصالحات ودًا، محبة للصحابة من الذين أمنوا وعملوا الصالحات ، فجعل لهم مودة في قلب كل مسلم، وعليّ المسكين (سلام الله عليه) ليس فقط لم تجعل له مودة في قلب كل مسلم من عموم المسلمين وإنما لم تُجعل له مودة في قلوب خواصّ المسلمين !! ، عند الصحابة لم تُجعل له المودة فكيف عند باقي المسلمين!! يا علي، يا مظلوم ، سلام الله عليك يا علي عندما يبغضك مثل هؤلاء المنافقين .)).
والغريب بالأمر نجد إن هذا البغض والحقد على أمير المؤمنين " عليه السلام " من قبل ابن تيمية ليس في هذا المورد المذكور فحسب بل في الكثير من الموارد التي سطرها في كتبه, مع ذلك كله نجد يقر بأن محبة علي " عليه السلام " وموالاته هي المنجية, وهذا ما قاله في كتابه منهاج السنة النبوية (6 / 201) : {وَقَدْ كَانَ مِنْ شِيعَةِ عُثْمَانَ مَنْ يَسُبُّ عَلِيًّا، وَيَجْهَرُ بِذَلِكَ عَلَى الْمَنَابِرِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَجْلِ الْقِتَالِ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ. وَكَانَ أَهْلُ السُّنَّةِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ تُنْكِرُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ فِيهِمْ مَنْ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا، فَكَانَ الْمُتَمَسِّكُ بِالسُّنَّةِ يُظْهِرُ مَحَبَّةَ عَلِيٍّ وَمُوَالَاتَهُ، وَيُحَافِظُ عَلَى الصَّلَاةِ فِي مَوَاقِيتِهَا. حَتَّى رُئِيَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ الْجَمَلِيُّ، وَهُوَ مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْكُوفَةِ: شَيْخُ الثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِ، بَعْدَ مَوْتِهِ، فَقِيلَ لَهُ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ؟ فَقَالَ: غَفَرَ لِي بِحُبِّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَمُحَافَظَتِي عَلَى الصَّلَاةِ فِي مَوَاقِيتِهَا. أ.هـ.}.
فهاهو ابن تيمية يصرح بأن إظهار محبة علي " عليه السلام " وموالاته هو من التمسك بالسنة النبوية ومحبته تنجي الناس من النار وتجعل صاحبها مغفوراً له, فهنئياً لكم يا شيعة علي " عليه السلام " هذا الحب وهذه الموالاة التي هي تمسكاً حقيقياً بالسنة وكذلك تجعلكم تفوزون بالمغفرة, وليبقى ابن تيمية في بغضه لعلي " عليه السلام " مخالفاً للسنة خاسراً للمغفرة.
بقلم نوار الربيعي