ابن تيمية مرجع التطرف والتكفير
بقلم : ضياء الحداد
أحمد ابن تيمية الحراني .. أحد مرجعيات الجماعات المتطرفة على مدار التاريخ، وآراءه هي المعتمدة عندهم، ويبرز اسم ابن تيمية بوصفه واحدًا من أبرز المنظرين لمدرسة التكفير التي كانت لها اليد الطولى في تكفير الفرق والمذاهب الإسلامية، بل عُرف ابن تيمية بوصفه إمام هذه الجماعة المتطرفة، التي بدورها عملت على نشر أفكاره ومؤلفاته بشكل واسع في العالم الإسلامي.
حين بدأت انحرافات ابن تيمية في الكثير من المسائل، وبدأ يواجه الكثير من اعتراضات علماء الإسلام المعاصرين له الذين وجهوا سهام نقدهم لأفكار ابن تيمية ونهجه التكفيري،
ومنهم الإمام الحافظ تقي الدين علي ابن عبد الكافي السبكي الذي قال عن ابن تيمية في كتابه (الدرة المضية) ما نصه:
(أما بعد، فإنه لما أحدث ابن تيمية ما أحدث في أصول العقائد، ونقض من دعائم الإسلام والأركان والمعاقد، بعد أن كان مستترا بتبعية الكتاب والسنة، مظهرا أنه داع إلى الحق هاد إلى الجنة، فخرج عن الاتباع إلى الابتداع، وشذ عن جماعة المسلمين بمخالفة الإجماع، وقال بما يقتضي الجسمية والتركيب في الذات المقدس، وأن الافتقار إلى الجزء- أي افتقار الله إلى الجزء- ليس بمحال، وقال بحلول الحوادث بذات الله تعالى، وأن القرءان محدث تكلم الله به بعد أن لم يكن، وأنه يتكلم ويسكت ويحدث في ذاته الإرادات بحسب المخلوقات، وتعدى في ذلك إلى استلزام قدم العالم، والتزامه بالقول بأنه لا أول للمخلوقات فقال بحوادث لا أول لها، فأثبت الصفة القديمة حادثة والمخلوق الحادث قديما، ولم يجمع أحد هذين القولين في ملة من الملل ولا نحلة من النحل، فلم يدخل في فرقة من الفرق الثلاث والسبعين التي افترقت عليها الأمة، ولا ؤقفت به مع أمة من الأمم همة، وكل ذلك وإن كان كفرا شنيعا مما تقل جملته بالنسبة لما آحدث في الفروع )
وحذر منه كذلك ابن حجر الهيتمي في كتابه الفتاوى الحديثية فقال:
(اياك أن تصغي إلى ما في كتب ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية وغيرهما ممن اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله، وكيف تجاوز هؤلاء الملحدون الحدود وتعدوا الرسوم وخرقوا سياج الشريعة والحقيقة فظنوا بذلك أنهم على هدى من ربهم وليسوا كذلك).
وقد استُتيب ابن تيمية مرات عديدة لكي يرجع عن آراءة الشاذة والمتطرفة، وكان يسجن ويستتاب، فيرجع عن رأيه حتى يخرج من السجن، فإذا خرج عاد مرة أخرى إلى شذوذه الفكري .
وكتب ابن تيمية ومؤلفاته كانت قد تُركت لفترة طويلة حتى ظهر محمد بن عبدالوهاب في الجزيرة العربية فأظهر أقوال وآراء ابن تيمية من جديد، واعتمدها مرجعية له لتكفير الناس حتى يستطيع محاربتهم للسيطرة على جزيرة العرب فأوقع الكثير من المذابح منها مذبحة حجيج الشام واليمن والحجيج الإيرانين، وكان يعتبر أن كل من يخالف دعوته فهو كافر يجب قتاله، أو يدخل في دعوته، وكان محمد بن عبدالوهاب يقوم بهدم مقامات الصحابة وأمهات المؤمنين –مثلما تفعل داعش اليوم- بدعوى أنها شرك استنادًا على فتاوى ابن تيمية.
وتبنى المتطرفون طباعة كتب ابن تيمية والاهتمام بها بشكل كبير لدرجة أننا نجد مثلًا كتاب مجموع الفتاوى لأبن تيمية الذي يحتوي على مايزيد من 30 مجلدًا بأبخس الأثمان. واعتمد منهج ابن تيمية في فتاواه والذي انتهجه محمد بن عبدالوهاب من بعده التوسع في التكفير وإدخاله بعض الخلافيات الفقهية في باب (الشركيات)، وبذلك أحالوا هذه المسائل الفقهية المختلف عليها وأدخلوها ضمن مسائل العقيدة الكبرى، ولم تكن قبل عصر ابن تيمية كذلك. فقد كان قبل عصر ابن تيمية تناقش مسائل التبرك والتوسل والاستغاثة مثلًا من ضمن المسائل الفقهية الفرعية المختلف عليها.
ومن فتاوى ابن تيمية الخطيرة التي يعتمد عليها تنظيم داعش الإرهابي في اعتداءهم على البلاد الفتوى المعروفة باسم: (فتوى ماردين)، والتي شجع فيها ابن تيمية على محاربة المدينة وأهلها، وقسم البلاد إلى دار إسلام ودار كفر، وأعطى بذلك للمتطرفين فتوى تبيح لهم شن الحرب على أية مدينة وفرض أحكام الشريعة الإسلامية بفهمهم المتطرف، حتى داخل الدول التي يدين أهلها بالإسلام، وقد كانت هذه الفتوى محل جدال طويل بين الفقهاء المسلمين حتى عصرنا الحالي، وقد اجتمع مؤخرًا نخبة من علماء الإسلام الثقات من مختلف الأقطار في مدينة ماردين: بجنوب شرق تركيا، لإبطال فتوى ابن تيمية.
ولابن تيمية أيضا فتوى خطيرة تدعى فتوى التترس ، وتنص هذه الفتوى على أن ما يسمونه بـ (المجاهد) الذي ينوي استهداف من يصفونهم بـ (الكفّار)، ووجد في طريقه أو بينهم المسلمين، فإنه يجوز له قتل هؤلاء المسلمين من أجل الوصول إلى هدفه.
وقد استند تنظيم القاعدة على هذه الفتوى في تبرير قتل العراقيّين بأعداد هائلة من خلال تفجير السيّارات المفخّخة والعبوات الناسفة.
والمصيبة بعد كل هذا الدمار الذي أحدثه أبن تيمية بالاسلام والمسلمين ، واباحت دمائهم بحجة جهاد المشركين لا زال البعض يسميه شيخ الإسلام ، ولا زالت دول عربية وإسلامية تدرس منهجه التكفيري المنحرف.