ابن تيمية بحر متلاطم من التناقض والازدواجية
بقلم : ضياء الحداد
حين تطالع سيرة ابن تيمية الفقهية تجد أن العديد من الأخطاء وسوء التأويل قد صدرت عنه وهذا الأمر طبيعي قياسا بالكثير ممن تصدى للإفتاء ، لكنه امتاز عن الأخرين بالحدة والتبرم والتسرع وضيق الصدر ، فكانت حياته صراعات وحروب فكرية وسجن وتوبة ثم نقض للعهود والسجن مرة أخرى حتى مات مسجوناً بعد أن حكم عليه أربع قضاة من كل المذاهب السنية المعروفة.
وبعد مضي عدة قرون على وفاة ابن تيمية إلا أن الصراع ما زال قائماً بين فريقين الأول هم خصومه وشانئيه؛ المملوءة قلوبهم بالكراهية، والمشحونة صدورهم بالبغضاء! والفريق الآخر الجامدين الهامدين المحنَّطين؛ الذين يزعمون أنهم ينتسبون إليه، ويسمُّون أنفسهم بـ السلفيين بلْ هم الخَلَفيين ولكن لا يشعرون! وإلى هؤلاء تنتمي كل الطوائف التكفيرية وفي مقدمتها الدواعش ومن قبلهم القاعدة .
ابن تيمية فقيه سلفي عاش في عصر المماليك، وأشعل الفتن، وأشهر سلاح التكفير في وجه مخالفيه، وأنكر ما هو معلوم من الدِّين بالضرورة، وخرج على إجماع الأمة، وولغ لسانه في أعراض العلماء، ومزق وحدة الأمة، وقسَّمها إلى سلف وخلف، وفِرق ناجية، وفِرق هالكة ...
ابن تيمية له مواقف معادية لكل العلماء والعلوم ، كموقفه من الفلسفة والفلاسفة، والمنطق والمناطقة، والتصوف والصوفية، والأشعري والأشاعرة، وسائر المذاهب الأخرى التي رماها بالكفر والزندقة!
وكذلك موقفه المتطرفة من أهل الكتاب، وكراهيته لأهل بيت النبيّ عليه السلام، وتحامله على فاطمة الزهراء، وبغضه للحسن والحسين، وتحقيره للإمام عليَّ بن أبي طالب، واتهامه لابن عباس بالجهل والضلال! فضلاً عن فتاواه الفاسدة التي نقض فيها الاجماع، كتحريمه لزيارة الروضة الشريفة، وإنكاره المجاز في القرآن الكريم، وقوله بزوال الجنة والنار!
فمع عِلم ابن تيمية، وشدَّة غيرته؛ إلاَّ أنه تنكَّب السبيل الدعوي الصحيح، وغابت عنه الحكمة والموعظة الحسنة، فسقطت البوصلة من يده، وضلَّتْ السفينة طريقها!
فأيقظ الفتنة النائمة، وأحيا المنازعات التاريخية، وعمّق الصراعات المذهبية، وأكثر الخلاف فيما لا طائل منه، وألهبَ جذوة المذاهب، وجزأ المجزأ منها، ورمى مخالفيه بالكفر والإلحاد والزندقة، وأشعل الحرائق التي لمْ تنطفئ!
هذا الفكر التيمي المريض يكشف مأزق العقلية السلفية التي أتخذته فقيها لها ، لذلك نجد أن الجهل ران عليها، والتعصب المقيت ابتليتْ به؛ مما أفقدها توازنها، وجعلها غير قادرة على التكيف مع الحياة العصرية!
وكلما تعمقت بشخصية (ابن تيميـة) أجده شخصية محيِّرة؛ وقد يصل الأمر إلى حد التناقض! لدرجة أنَّ أيّ مذهبٍ أوْ فِرقة أوْ جماعة تجد عنده ضالتها وبغيتها!
فهو العالِم الحنبلي الصوفي، والعقلاني السلفي، والفيلسوف الأشعري، والزاهد الفارس، والمجدِّد المحافظ، والعابد المصارع، والثائر الفقيه، والمجاهد الذي غلبه الورع!!
أجل! إنه الأصولي، الذي أنكر ما هو معلوم من الدِّين بالضرورة، كقوله بفناء النار!
إنه الحنبلي، الخارج على الحنابلة ومذاهبهم!
إنه أعدى أعداء الفلسفة، و فيلسوف السلفية الأكبر!
هو الذي أطلق الكفر على مخالفيه، والقائل: لا يجوز تكفير أحد من أهل المِلَّة!
هو الداعي لعدم التمذهب، وهو المتعصِّب جداً لمذهبه!
هو الذي نازل الأشاعرة وخاصمهم، وهو الذي اعتبرهم فرع من الحنابلة!
هو الذي حرَّر النصارى من أسر التتار، ثمَّ أفتى بهدم كنائسهم!
هو العالِم اللغوي الجهبذ، وهو الذي تنكّر لأساسيات اللغة، كالمجاز!
هو الذي حارب المنطق بضراوة، ثمَّ استخدم المنطق كسلاح يضرب به خصومه!
هو الذي حارب الصوفية، ثمَّ وصفهم بأنهم صدِّيقو الأمة، وأوصى بأنْ يدفن بمقابرهم!
هو الذي كفَّر الفلاسفة؛ ثمَّ اعتبرهم أفضل البشر أخلاقاً وعلماً بعد الأنبياء!
هو مستشار الحكّام وناصِحهم، وهو الذي ناله منهم ما ناله من البلاء!
هو الفقيه المجدِّد، وهو العقبة الكئود في وجه المجدِّدين!
أنه بحر متلاطم من التناقضات ، من الأضداد ، من الكفر والشرك بالله ، أنه خليط غير متجانس من فقه غبي وفلسفة جوفاء وعداء وغيرة لكل المسلمين والنصارى بل لكل البشر ، وحسب أعتقادي أن المرض النفسي الذي كان يعانيه ابن تيمية والذي وصفه الرحالة ابن بطوطة هو الذي منع ابن تيمية من الزواج وبناء أسرة وعائلة مثل باقي البشر .