أبن تيمية أوقد الفتنة النائمة
بقلم : ضياء الحداد
الاسلام دين حنيف ودين سلام ، ينشر المحبة بين الناس ويدعو الى المجادلة بالحسنى، ونبيه الكريم صاحب الخلق العظيم ، النبي الذي لاقى من العذاب ما لم يلاقيه أي نبي من الأنبياء ،وهو صلى الله عليه واله وسلم قد ربى أصحابه على المحبة والسلام والتعايش السلمي مع باقي الأديان وفيما بينهم ، فكانت سيرة النبي والصحابة الكرام نموذجا يقتدى به بحسن الخلق والتكاتف والتكامل الأجتماعي وتحويل الجزيرة العربية من حياة البداوة والكر والفر الى حياة المدنية والتعايش السلمي .
لكن من يتأمل سيرة من يسمى بشيخ الاسلام (ابن تيمية) يجد العكس تماما ، يجد العصبية المفرطة وضيق الصدر ورفض النقاش وتكفير المسلمين بكل طوائفهم وتكفير أصحاب الكتب السماوية ،وهدر دماء الجميع مسلمين ونصارى ويهود.
ومن يتأمل كتابات (ابن تيمية) ومقالاته، ورسائله؛ يلمس فيها التكرار، والتضارب، والتناقض، والرد العنيف، والرد المضاد، واستخدام مختلف الأسلحة لمجابهة خصومه، وحشد الأدلة والشواهد بصورة مرعبة!
وهذا يكشف أنه كتبها في أوقات عصيبة، فجاءت بمثابة ردود فعل عنيفة، ومناظرات حادَّة، ومجادلات ومصادمات مع مخالفيه، أوْ مع ما لا يقبله من سلوكيات وأفكار وآراء ومسائل علمية وفقهية وفلسفية! فهي ببساطة أنعكاس لنفسيته المريضة وحقده وغيرته ،
ومن كتاباته : (الجواب الصحيح لمن بدَّل دين المسيح)، (الصارم المسلول على شاتم الرسول(، (نقض المنطق)، (الرد على المنطقيين)، (بيان تلبيس الجهمية)، (بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية)، (درء تعارض العقل والنقل)، كتاب (الإيمان) الذي أنكر فيه وقوع (المجاز) في القرآن الكريم، (منهاج السنَّة النبوية) الذي خصصه للرد على كتاب ابن المطهَّر، (الرسالة التدمرية) في الرد على الأشاعرة، إلى غير ذلك من كتبه ورسائله!
وبعد غياب طويل؛ أطلَّ (ابن تيمية) مرة أخرى!أطل بفكره وفتاويه الدموية !!
فانقسم الناس في أمره إلى فريقيْن: فريق: رماه بالشذوذ في الأقوال، وخَرْق الإجماع، بلْ كفَّروه، ولعنوه! بلْ وحمّلوه عبئاً ليس بالقليل مما وصلت إليه حالة الفكر الإسلامي من الانسداد والعجز والتراجع المذهل!
وفريق آخر؛ زعم أنه وريث مذهبه، ونصير منهجه؛ أولئك الذين تسمَّوا بـ(السلفيين) فصنعوا منه راعيا للارهاب وفقيها للارهاب، بلْ صنعوا بينه وبين الناس حاجزاً نفسياً مريراً، وسداً منيعاً كسد يأجوج ومأجوج، وسوراً رهيباً كسور الصين العظيم! وذلك حين عرضوا فكر ابن تيمية وفقهه بالصورة التي ارادها هو وهي صورة التكفير وهدر الدماء واباحة الأعراض!
إنَّ الخطأ الجسيم الذي وقع فيه المغفَّلون من الأعراب وأولهم الدواعش المارقة ؛ أنهم رجعوا بعقولهم إلى العصر المملوكي (عصر ابن تيمية)! وأقسموا ألاَّ يبرحوه ولوْ تخطفتهم الغربان، ونهشتهم الأفاعي! وظنوا ظن الجاهلية؛ أنَّ كلامه دِين، ورأيه مقدَّس! فراحوا يتعبدون بكتاباته الصادمة، والمتناقضة، لاسيما التي تجاوزها التاريخ، وتخطَّاها الزمن.
لقد تناسى هؤلاء الأعراب؛ أنَّ (ابن تيمية) مثَّلَ عصره بكل تحدياته أحسن تمثيل، كان عصره مضطرب فزاده اضطرابا بفتاويه الملعونة، وكان عصر فتن فكان هو أعظم من أشعل الفتنة، وكان عصر أختلاف بين المذاهب والطوائف فأشعل نار الأختلاف وكفر الجميع وضرب كل المذاهب حتى مذهبه الحنبلي الذي يؤمن به.
خلاصـة الكلام إنَّ تراث (ابن تيمية) له تأثير بالغ على حالة الأمة، والدليل هو أنتشار من يتبعونه في كل بقاع الأراضي الاسلامية وغير الاسلامية؛ مع أنها مملوء بالأخطاء الفادحة، المجافية لسماحة الإسلام ومرونته، والمخالفة لروح الشريعة وجوهرها، وقد بدتْ هذه الأخطاء واضحة للعيان في كتاباته الأولى التي كتبها في شبابه الباكر، حينما هاجم الفلاسفة والمناطقة، والأشاعرة والمعتزلة والصوفية، وغير ذلك من الفِرق والمذاهب؛ حين أسرف في نقده إلى الحد الذي أفقده الموضوعية، وحاد به عن الصواب، لدرجة أنه رماهم بأقذع الألفاظ وأشنعها، حتى أخرجهم من المِلَّة!
ولعلَّ الظروف السياسية السائدة في عصره، والحالة النفسية التي كانت تعتريه، وحياته التي قضاها ما بين المنافي والسجون؛ ألقتْ بظلالها على آرائه وأفكاره واجتهاداته ومؤلفاته ..!
لذا كان رأيا حكيما من الخليفة وقضاة المذهب السني الأربعة أن يحكموا عليه بالسجن المؤبد (حتى وفاته) حتى تكون فرصة لمراجعة النفس والهدوء والأبتعاد عن المجادلات والخصومات الواسعة التي كانت تحيط به ، لكن أبن تيمية كان يتوب ويفرج عنه ثم ينقض العهود والمواثيق فعاد الى سجنه (سجن القلعة) في دمشق ومات فيه الا أن فتاويه وأفكاره لا زالت حية ، تتمثل بأفعال الدواعش التكفيريين وكل شواذ المسلمين.