لم يكن تعرض الحرم المكي والكعبة الشريفة لمحاولة التهديم والتخريب أمراً جديداً بل هو أمرٌ له جذور تأريخية قديمة منذ زمن الأمويين, حيث كان أول من أغار على الكعبة الشريفة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان إذ ضربها بالمنجنيق وحرقها وإستباحها وقتل أهل مكة والمدينة المنورة, والغريب بالأمر إن هذا الفعل الشنيع الذي أقدم عليه يزيد بن معاوية تم تبريره من قبل ابن تيمية بحجة إن ضرب يزيد للكعبة وحرقها وإستباحة المدينة هو من أجل أن يأخذ المبايعة من أهلها !! وهو بهذا التبرير كأنه يعطي مبرر مُشرْعن لتهديم الكعبة وإستباحة المدينة النبوية, حيث يقول في مجموع فتاوى/ ج3 ، العقيدة، كتاب مجمل إعتقاد السلف، الوصية الكبرى، فصول في بيان أصول الباطل التي إبتدعها من مرق من السُنَّة، فصل في الاقتصاد والاعتدال في أمر الصحابة والقرابة (( الأمر الثاني فإن أهل المدينة النبوية نقضوا بيعته – أي يزيد بن معاوية - وأخرجوا نوابه وأهله فبعث إليهم جيشًا؛ وأمره إذا لم يطيعوه بعد ثلاث أن يدخلها بالسيف ويبيحها ثلاثًا، فصار عسكره في المدينة النبوية ثلاثًا يقتلون وينهبون ويفتضّون الفروج المُحرّمة ))!!!..
هذا من جانب ومن جانب أخر في أحدى الدروس يتكلم ابن عثيمين عن القبر النبوي ويقول ( القبة عسى الله أن يسهل هدمها ) وهنا نلاحظ إن رموز المنهج التيمي يؤسسون لسُنِّة أموية ويشرعنون لها وهذا ما جعل الدواعش يقدمون ولأكثر من مرة على محاولة تفجير الكعبة والحرم المكي أو المدينة خصوصاً وإن هذا التنظيم قد أرسل سابقاً برسائل تحذير للحكومة السعودية ويطالب السعودية ودول الخليج بالمبايعة لابي بكر البغدادي, فهم الآن يسيرون وفق منهج مُشرْعن لهم يريدون تفجير الكعبة والمدينة من أجل أن يحصلوا على المبايعة كما فعل يزيد ويرون بأن هذا الأمر مشرعن وجائز بحسب ما برَّره ابن تيمية وتمناه ابن عثيمين.
لذلك ننصح حكام ورؤساء تلك الدول بما قدمه لهم المرجع العراقي الصرخي من نصيحة في محاضرته الثانية التي ألقاها مساء يوم السبت الموافق 13 محرم 1438 هـ 15/ 10 / 2016 من بحثه الجديد والذي عنوانه ( الدولة المارقة .. في عصر الظهور منذ عهد الرسول " صلى الله عليه وآله وسلم " ) حيث قال ...
{{... نحن نتمنى وندعو من هذا المقام، ندعو علماء السلفية بالخصوص، ليتحرروا: من قيود ابن تيمية، ألا يوجد عندهم عالم يستغل هذا الموقف السياسي، أيضًا من خلالهم أو من خلال هذا المكان أيضًا للحكام الذي يتبنون الفكر السلفي أو يحتضنون الفكر السلفي أو يؤيدون الفكر السلفي أو لهم تأثير على الفكر السلفي، الوضع تغيَّر والجانب السياسي تغيَّر، ووجود الفكر السلفي أي التيمي الاقصائي فنحن نحترم الأفكار ونحترم الجميع، لكن نتحدث عن الفكر السلفي التيمي الاقصائي التكفيري, ألا يوجد علماء ضمن هذه الفترة الزمنية، وأنتم تنتقدون التقليد ووجدت عبر التاريخ خاصة التاريخ المعاصر بعض المحاولات من بعض العلماء للتحرر من قيود ابن تيمية وتقليد ابن تيمية، لكن كانت محاولات ضعيفة ولم يكن الوضع السياسي مهيئًا لإبراز مثل هذه المحاولات، فنصيحة للحكام لذوي القرار أنهم عليهم أن ينفتحوا إلى باقي الأفكار وإلى باقي المذاهب، على أقل تقدير إلى الفكر السلفي الآخر، الوسطي المنفتح الحقيقي الأقرب إلى الواقع الذي يحترم الآخرين، الذي لا يُقصي الآخرين، الذي لا يُكفِّر ولا يُبيح دماء الآخرين، الوضع السياسي، الظروف السياسية، الوضع الدولي، الظروف الدولية الآن مختلفة، الآن الفكر السلفي الإقصائي التكفيري إنتهى دوره، هذه المرحلة ليست مرحلته، فمن أراد أن يحافظ على دولته، على حكومته، على سلطته، على نفسه، على عائلته الحاكمة عليه أن ينفتح على الآخرين، هذا هو وقت الإنفتاح...}}.
فإستغلوا الفرصة من الآن واعدوا العدة للوقوف بوجه هذا الفكر التيمي القاتل السافك للدماء المنتهك للأعراض وخذوا بهذه النصيحة وإلا فلا ينفع الندم ولا يفيد عض الأصابع فهم قادرون ومستعدون على أن يفعلوا بمكة والمدينة ما فعله إمامهم يزيد بن معاوية الذي استباح الأعراض وإفتض الفروج المُحرمة, وما حصل اليوم هو خير شاهد, فليتصور حكام تلك الدول وشعوبها بما سيقوم به تنظيم داعش الإرهابي من جرائم وقبائح تحت ذرائع وفتاوى وآراء مشرعنة أستمدها من فكر ابن تيمية.
بقلم :: احمد الملا