دهاليز سياسة المكر وقلب الحقائق
كثيراً ما يقال أن السياسة مسار خفي لتمرير الأفكار المتلبسة التي تحاكى عواطف المجتمع وتاريخه وتضعف صلاته وتحتكر بعض مكوناته وهذا للأسف ما أصاب بشكل جلي مجتمعنا بحالة اغتراب عن واقعه ؛ الخطورة تكمن في هذا كله هو قدرتها على هدم قناعات المجتمع على نحو تدريجي ، فيرفض الفرد على نحو لاوعي محيطه الإجتماعي وإنتماءه للدولة الأم ؛ وهذا ما ينتج عنــه إنهيارات أجتماعية وتفتت وحدة المجتمع وعدم الحس بالوطنية وهذا يولد عدم الثقة بالسياسة والسياسيين وهذا ما نعيشه بشكل واضح ؛ فالأفكار وتباين الأهداف والأساليب تزيد حدة التناحر الفكري في المجتمع ليتحول مع مر الزمن إلى صراع عنيف وهو ما لا نرجوه، فيفسر الأخر التخلي عن أفكاره وقناعاته المغايرة؛ وكثير ما يتسم به الفكر الضال المنحرف بقدرته على قلب المفاهيم وتشويه الحقائق وطمسها، وتقديم أدلة وبراهين غير كافية أو مناقضة للواقع، و استعمال الكلمات بمعان مُبهمة غير محددة أو بمعان متقلبة ومختلفة..كما يقول "ميكافلي" (على الأمير أن يتصرف كالحيوان عليه أن يقلد الثعلب والأسد في نفس الوقت).بدليل إزدواجية أخلاق السياسي، فمن جهة يوحي التزامه بقيم المجتمع الأخلاقية، ومن جهة أخرى سلوكه يعكس السياسة الأخلاقية ؛ ففى الأولى يكسب ولاء الدهماء والسذج ومحيطه الاجتماعي الضيق، وفى الثانية يخدع أقرانه السياسيين لتحقيق أهدافه الخفية.ويعول خيانته وسلبياته على غيره وهذا ما تميز به الكثير ممن تنصب منصب القيادة ؛ ولو نظرنا بعيداً لوجدنا التأريخ يفوح منهم كما حدث عند سقوط بغداد قديما على أيدي الغزاة التتر وأتهام ابن العلقمي بالخيانة على قول ابن كثير وما جاء في كلامه: (([ما وقع على الإسلام وبلاد الإسلام وسقوط بغداد، كُلُّهُ عَنْ آرَاءِ الْوَزِيرِ ابْنِ الْعَلْقَمِيِّ الرَّافِضِيِّ]
وهذا ما نبه به المرجع والمحقق الصرخي الحسني في بحثه وقفات مع توحيد ابن تيمية الجسمي الاسطوري في محاضرته 37 بقوله .. فقد أشار ابن كثير نفسه إلأ أنّ هولاكو طلب غير الوزير الحضور إليه لكنّهم رفضوا، (فأرسل (الخليفة) شيئًا مِن الهدايا، فاحتقرها هولاكو خان، وَأَرْسَلَ إِلَى الْخَلِيفَةِ يَطْلُبُ مِنْهُ دُوَيْدَارَهُ الْمَذْكُورَ، وسليمان شاه، فلم يبعثهما إليه ولا بالَى بِهِ)!!! فيا عقول متحجِّرة هل أنَّ رفضَهم للذهاب لهولاكو كان بتدبير ومؤامرة ووسوسة ابن العلقمي لهم، كي يكون له الطريق والمجال للذهاب بنفسه إلى هولاكو؟!!] 4ـ ثُمَّ عَادَ فَأَشَارَ عَلَى الْخَلِيفَةِ بِالْخُرُوجِ إِلَيْهِ وَالْمُثُولِ بَيْنَ يَدَيْهِ لِتَقَعَ الْمُصَالَحَةُ عَلَى أَنْ يَكُونَ نِصْفُ خَرَاجِ الْعِرَاقِ لهُمْ وَنِصْفُهُ لِلْخَلِيفَةِ)
يجيب الصرخي متنزلاً مع افتراءات التيمية، فلماذا لا تُفَسَّر الأمور على ظواهرها وحسب سياقاتها الواقعيّة؟!! فكما أنّ ابن العلقمي- وضمن وظيفته كوزير ومستشار- قدّم النصيحة سابقًا للخليفة، ولم يأخذ بها، ولمّا ضاق الخناق عليهم جميعًا بادر ابن العلقمي بنصيحة للخليفة بأن يعرِض لهولاكو عرضًا مغريًا بأن يعطيه نصف خراج العراق، وكان يتوقَّع موافقة هولاكو، لكن وقع ما لم يكن في الحساب، فما ذنبه؟!! أراد أن يفعل خيرًا مِن باب النصح، لكن سارتِ الأمور بمشيئة الله تعالى على خلاف توقّعاته!! وهو لا يملك أي قوة ولا قدرة يجبر بها الخليفة على شيء!!! )
نعم هذه هي دهاليز السياسة الماكرة وعمق أسرارها العويصة المحيرة والتي لا يمكن للعقل أن يصدقها كونها لا تؤمن بمنطق اسمه الصدق !!
ـــــ
هيام الكناني