كل الجرائم التي قام ويقوم بها الدواعش في العراق وسوريا ومصر وليبيا وفي كل دول العالم التي يوجد فيها هؤلاء المجرمون التكفيريون القتلة, كل جرائمهم هي خارجة عن الإطار والمنهج العام للدين الإسلامي, وهذا ما جعل الكثيرين يتساؤولون عن مصدر وأصل التشريع الذي يغذي عقيدة الدواعش بحيث جعلهم يمارسون تلك الجرائم التي صبت بشكل خاص على المسلمين وأهل الإسلام قبل غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى ؟..
وجواباً على ذلك التساؤول نقول :
إن هؤلاء الشرذمة المارقة الخارجة عن الإسلام يستمدون فكرهم المنحرف وعقيدتهم الفاسدة وشرعيتهم الإجرامية عبر طريقين؛ الأول هو من سيرة السلاطين والقادة والخلفاء الذين يزكيهم ويقدسهم أئمة وشيوخ الدواعش والذين هم بالأساس – أي هؤلاء السلاطين والقادة والخلفاء – شذوا شذوذاً واضحاً عن الإسلام ونسبوا أفعالهم وجرائهم إلى الإسلام, وخير شاهدٍ على ذلك هو ما ذكره ابن الأثير مِن الأحداث ومجريات الأمور في بلاد الإسلام المتعلِّقة بالتَّتار وغزوهِم بلادَ الإسلام وانتهاك الحرمات وارتكاب المجازر البشريّة والإبادات الجماعيّة، ففي الكامل10/(260- 452): قال ابن الأثير: {{[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ (624هـ)]: [ذِكْرُ نَهْبِ جَلَالِ الدِّينِ بَلَدَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ]: فِي هَذِهِ السَّنَةِ(624هـ) قَتَلَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةُ أَمِيرًا كَبِيرًا مِنْ أُمَرَاءِ جَلَالِ الدِّينِ, وَكَانَ قَدْ أَقْطَعَهُ جَلَالُ الدِّينِ مَدِينَةَ كَنْجَةَ وَأَعْمَالَهَا، وَكَانَ نِعْمَ الْأَمِيرُ، كَثِيرَ الْخَيْرِ، حَسَنَ السِّيرَةِ, يُنْكِرُ عَلَى جَلَالِ الدِّينِ مَا يَفْعَلُهُ عَسْكَرُهُ مِنَ النَّهْبِ وَغَيْرِهِ مِنَ الشَّرِّ, فَلَمَّا قُتِلَ ذَلِكَ الْأَمِيرُ، عَظُمَ قَتْلُهُ عَلَى جَلَالِ الدِّينِ، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، فَسَارَ فِي عَسَاكِرِهِ إِلَى بِلَادِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، مِنْ حُدُودِ أَلَمُوتَ إِلَى كَرْدَكُوهْ بِخُرَاسَانَ, فَخَرَّبَ الْجَمِيعَ، وَقَتَلَ أَهْلَهَا، وَنَهَبَ الْأَمْوَالَ، وَسَبَى الْحَرِيمَ، وَاسْتَرَقَّ الْأَوْلَادَ، وَقَتَلَ الرِّجَالَ، وَعَمِلَ بِهِمُ الْأَعْمَالَ الْعَظِيمَةَ، وَانْتَقَمَ مِنْهُمْ, وَكَانُوا قَدْ عَظُمَ شَرُّهُمْ وَازْدَادَ ضُرُّهُمْ، وَطَمِعُوا مُذْ خَرَجَ التَّتَرُ إِلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ إِلَى الْآنِ، فَكَفَّ عَادِيَتَهُمْ وَقَمَعَهُمْ، وَلَقَّاهُمُ اللَّهُ مَا عَمِلُوا بِالْمُسْلِمِينَ}}...
ولتوضيح هذا المورد نذكر تعليق المحقق الأستاذ الصرخي على هذا المورد والذي قال فيه ((التفتْ: نساء، أطفال، شيوخ، رجال، كلُّ شيء مباح!!! كلّ ما في البلاد مباح ومباد!!! وانتهت البلاد والعباد وصارتْ أثرًا بعد عين بفتوى تكفيريّة لمنهج ابن تيمية وبيد سلطان ظالم فاجر!!! فهل هذا إسلام؟!!! وهل هذه إنسانيّة؟!! وهل هذه أخلاق؟!! ـ ولاحِظ أيضًا أنّ ابن الأثير في بداية كلامه سَجَّلَ مَكْرَمة وفضيلة للأمير لأنّه كان يُنكِر على جلال الدين ما يقوم به مِن أعمال سلب ونهب وشرّ. ـ لكنّه سرعان ما جعل أعمال الشرّ والقبائح، التي يفعلها جلال الدين، مِن الفضائل والكرامات لجلال الدين المجرم القاتل!!! ـ قال: {فَخَرَّبَ الْجَمِيعَ، وَقَتَلَ أَهْلَهَا، وَنَهَبَ الْأَمْوَالَ، وَسَبَى الْحَرِيمَ، وَاسْتَرَقَّ الْأَوْلَادَ، وَقَتَلَ الرِّجَالَ، وَعَمِلَ بِهِمُ الْأَعْمَالَ الْعَظِيمَةَ}، لا استنكار ولا اعتراض له أبدًا على هذه الأفعال الشنيعة والإبادة الجماعيّة للإنسان والإنسانيّة، بل أكثر مِن ذلك، فهو يبارك لجلال الدين الفاسق الإرهابي القاتل ما فعله حيث قال {وَانْتَقَمَ مِنْهُمْ، فَكَفَّ عَادِيَتَهُمْ وَقَمَعَهُمْ، وَلَقَّاهُمُ اللَّهُ مَا عَمِلُوا بِالْمُسْلِمِينَ}!!! ويقال: مِن أين للدواعش التشريع والتأصيل في قتل الناس وإبادتهم جميعًا؟!!))...
هذا الطريق الأول الذي يأخذ منه الدواعش تشريعهم في قتل الناس وإبادتهم, أما الطريق الآخر فهو نبيهم وإمامهم ومصدر تشريعهم الأوحد الذي بات كلامه مقابل كلام الله وسنته وفكره مقابل سنة النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " والصحابة والخلفاء الراشدين, حيث جعلوا ابن تيمية هو مصدر التشريع عندهم ومنه يأخذون شرعيتهم في القتل والإبادة والفكر المنحرف الضال المضل والذي هو بالأساس كان المصدر الرئيسي لعقيدتهم الدموية التكفيرية الإرهابية وهو من زكى لهم هؤلاء السلاطين المنحرفين, حتى صاروا جميعاً سبة على الإسلام والمسلمين, وبهذا قد أجبنا على التساؤول الذي يطرح عند بعضهم حول مصدر تشريع القتل والإبادة عند الدواعش بهذه الطريقة الوحشية والإجرامية غير المبرر في الإسلام إلا من وجهة نظر ابن تيمية وأئمته وشيوخه.
بقلم نوار الربيعي