الأب كلمة عميقة لا تُشرح بالكلمات والحروف فهي كلمة تحمل بين حروفها أحاسيس ومشاعر غامرة بالحب والحنان والطيبة والتضحية من أجل الأبناء, فالأب هو رمز التضحية لكل ولد, فمن أجل الأبناء يشقى الأب ويسهر الليالي حتى يوفر لأبنائه الحياة الحرة الرغيدة قدر الإمكان والمستطاع, حتى تم تمجيد الأب بصورة كبيرة في الإسلام وفي باقي الديانات لأنه عبارة عن إيقونة من التضحية.
و بقليل من التدقيق في تاريخ الإبداع الإنساني، نجد أن هناك عددا من الأعمال الأدبية والفنية الخالدة تبوأت مكانة سامية بسبب تجسيدها للحنان الأبوي، وتضحيات الآباء وتعلقهم بالأبناء كالأمهات تماما، فهم لا يقلون عنهنّ حبا للأبناء، وحنانا وتضحية، كما هو مشهور في أعمال أدبية: كرواية "البؤساء" لفيكتور هوغو، وفيلم "الطفل" لشارلي شابلن، وقصيدة "أب" للشاعر السوري عمر بهاء الدين الأميري، وفيلم "كرامر ضد كرامر" لداستين هوفمان.. وفي كل هذه الأعمال الرائعة كان الأب هو بطل الحب والحنان والتضحية من أجل الأبناء, وغيرها من الأعمال التي تتحدث عن الأب وتضحياته من أجل أبنائه.
لكن في الوقت ذاته هناك قصص واقعية تتحدث عن خلاف ما تحدثنا عنه من تضحيات الآباء من أجل الأبناء, حيث تتحدث عن جشعهم الكبير الذي وصل بهم بأن يقتلون ويسجنون أبنائهم من أجل المنصب والحكم والكرسي والغريب بالأمر هذه القضية قام بها بعض من هو محسوب على الإسلام وقادته, وهذا ما يذكره ابن العبري...
حيث قال {الظاهر بن الناصر: ولمّا تُوُفِّيَ الناصر لدين الله، بويع ابنه الإمام الظاهر بأمر الله في ثاني شوّال مِن سنة اثنتين وعشرين وستمائة (622هـ) وكان والده قد بايع له بولاية العهد، وكتب بها إلى الآفاق، وخطب له بها مع أبيه على سائر المنابر. ومضتْ على ذلك مدّة، ثم نَفَرَ عنه بعد ذلك، وخافه على نفسه، فإنّه كان شديدًا قويًّا أيِّدًا (قويًّا شديدًا) عالي الهمة، فأسقط اسمه مِن ولاية العهد في الخطبة، واعتقله وضيّق عليه. }...
هذه هي تضحية الأباء من أجل أبنائهم !! يقتلون ويسجنون أبنائهم من أجل الكرسي !! وهم يدعون إنهم قادة وخلفاء وأمراء وسلاطين الإسلام !! وهنا نأتي على ذكر تعليق المحقق الأستاذ الصرخي على هذا المورد خلال المحاضرة الثامنة والأربعون من بحث " وقفات مع توحيد ابن تيمية الجسمي الأسطوري " حيث قال :
{{ أقول: ما شاء الله!!! أحقر وأخبث وأقبح صراع على السلطة والكراسي والمُلك والنفوذ!!! فيضعُ الأبُ الابنَ في السجن، ويقتل الأبُ الابنَ، ويقتل الابنُ الأبَ، ويقتل الأخُ الأخَ!!! فأين هذه التربية لمارقة ابن تيمية مِن تربية الرسول الكريم وآل بيته الطاهرين وأصحابه الكرام (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)؟!! أين هم مِن تربية الإمام علي للحسن والحسين (عليهم السلام)؟!! وأين هم مِن تربية الصحابة لأبنائهم؟!!...}}.
وهذه هي حقيقة أئمة وسلاطين وخلفاء الدواعش هكذا يفعلون بأقرب الناس إليهم فماذا عساهم أن يفعلوا بمن هو ليس على صلة رحم بهم ؟ ومن هذه السيرة يأخذ الدواعش شرعيتهم في القتل والإجرام بحق حتى أقرب الناس إليهم من أجل المنصب والكرسي والحكم.
بقلم نوار الربيعي